ابريل غلاسبي ( المرأة التي خدعت صدام )

تلك الفضيحة السياسية التى تشير الى نظرية التآمر التى زعم الجميع أن ابريل غلاسبي بطلتها ، وأنها سعت لتوقع الرئيس العراقي صدام حسين في فخ الأمريكيين ، ولكن لا اخبئك سرا فإن الفضيحة تكمن في ما فعله صدام لاحقا ، والأسى كل الأسى لتلك المشاهد التي نسترجعها من التاريخ ونمررها مجددا على الذاكرة ، والتي تتضمن غزو العراق للكويت ، بلد عربي يجتاح شقيقه بدماء بارده ، ونحن الذين من المفترض ان نبكي على هدر دماء العرب جميعنا وكأنما نمتلك قلب رجل واحد ، هذا هو المشهد الأكثر جرحا في الجسد العربي ، فدخول قوات عربية إلى دولة جارة أخرى عربية شق صف الأمة دون اعتبارات إنسانية أو علاقات الأخوة والقربى والجيرة.

اى الروايات التي نقصها على أبنائنا مستقبلا يمكنها ان تُمحى تلك المشاهد من التاريخ ؟ لا يمكن لهذا الجُرح الغائر في قلوب العرب قبل أجسادهم عن تلك الازمة التي حدثت منذ ما يزيد عن الثلاثون عاما أن يُشفى ، وها هو السؤال الذي أرقنى بخصوص تلك الأزمة التي شرخت صدور العرب ، كيف حمل الجندى العراقي سلاحا في وجه أخوه الجندى الكويتي ؟ ومما لا شك فيه أننى قد حصلت على جواب ، وهو أن الحرب لا تنظر بل لا ترى تلك الاعتبارات ، فكل الحروب يقول خائضيها إما أكون أو لا تكون .

هل نترك كل تلك الأحداث ونبحث في قضية غلاسبي ، إن كانت متآمرة أم لا ؟ نعم سنفعل ، بل فعلنا أساسا ، ودائما وأبدا ، فيؤسفني القول حقا ، نحن نسير في سيناريوهات لم نضعها لأنفسنا ، نسير وفقا لأهواء أخرون ، ونخدم أهداف قوى أكبر ، ونحن نعرف وندرك ولكن نتغافل.

ونتيجة ذلك التغافل سنسير وفق السيناريو الذي وضع بشأن ابريل غلاسبي ، ونتعرف على تلك المرأة التي وضع على كتفيها مغبة اجتياح صدام للكويت ، ولماذا تتلقى غلاسبي اللوم وحدها عن بالرغم من أنها لم تكن سوى سفيرة أمريكية في الاراضي العراقية ، حتى أن علاقاتها كانت دبلوماسية وودودة مع جميع السياسيين في جميع البلاد العربية التي شغلته بها مناصب سياسية تمثل الولايات الامريكية ، فسنعرف ماذا حدث تفصيليلا ، خلال الأحداث المتواترة في عام احتلال العراق للكويت ، ونحياها كما لو أننا عدنا بالزمن ثلاثون عاما.

من هي ابريل غلاسبي :-

ولدت عام 1942 ، وكانت تصغر الرئيس صدام حسين بخمس سنوات ، تخرجت من جامعة كاليفورنيا في تخصص الدراسات الدولية ، ومن ثم انضمت للسلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية الأمريكية ، وكانت حينها في منتصف العشرينيات من عمرها ، وتخصصت غلاسبي في الشؤون الخاصة بالشرق الاوسط ، وصارت خبيرة بها ، شغلت مناصب دبلوماسية هامة في عدة دول عربية ، ثم شغلت منصب السفيرة الأمريكية في بغداد ، وكانت أول امرأة تعين سفيرة لأمريكا في دولة عربية ، ولقد كانت لها سمعة جيدة ، كما ان تعليماتها كانت تستهدف توسيع الاتصالات الثقافية والتجارية مع النظام العراقي.

بداية الازمة :-

في الفترة التي شغلت فيها غلاسبي منصب السفيرة الأمريكية في العراق ، كان العراق وقتذاك خارجا من الحرب العراقية الايرانية ، معجبا بجيشه وتسليحه المتطور في هذا الوقت ، وفي الوقت ذاته اندلعت هناك خلافات بين العراق والكويت على ملكية حقول نفطية حدودية ، وكان صدام حسين يتطلع للاستحواذ عليها حيث كان يدعى انها أرضا عراقية ، ولقد اتهم صدام حسين الحكومة الكويتية أنها تقوم بتخفيض أسعار النفط عمدا ، فلقد كان ذلك يفقد العراق ملايين الدولارات من مدخلات النفط اليومية ، ومن هنا توترت العلاقات بين العراق والكويت ، وبدأ صدام حسين في ارسال التهديدات الى الكويت ، وقام صدام بحشد القوات العراقية على الحدود .

بداية الأزمة بين العراق والولايات الأمريكية

اذا ما هو دور ابريل غلاسبي في تلك الأزمة ؟

ابريل غلاسبي جاء لقاءها الاول مع الرئيس صدام حسين ، ونائب رئيس الوزراء طارق عزيز في عام 1990 ، وفي هذا اللقاء سألت غلاسبي الرئيس العراقي صدام حسين عن سبب تلك الحشود العراقية على الحدود مع الكويت ، وأكدت على ان سؤالها ذلك من باب الصداقة بين الولايات الأمريكية والعراق ، وأضافت أيضا ان الولايات الامريكية لا تتدخل بين العرب ، وقالت غلاسبي للرئيس العراقي صراحة في جملة مفادها من وجهة نظر صدام حسين أنه ضوء أخضر له بغزو الكويت ،  حيث قالت غلاسبي إن قضية الكويت ليست مرتبطة بأمريكا مطلقا ، وبعد تلك الرسالة التي أساء الرئيس صدام حسين فهمها بأسبوع واحد ، قام بغزو الكويت ،  ويعد ذلك القرار الذي اتخذه صدام حسين باجتياح العراق القرار الاكثر كارثية في تاريخ العراق بل والمنطقة العربية الحديثة .

واشنطن تفرض حصارا خانقا على العراق

فقررت الولايات الأمريكية تشكيل تحالفا ضخما وشنت حربا مدمرة على العراق ، وأدى رفض الرئيس صدام الانسحاب من الكويت ، الى أن فرضت واشنطن حصارا خانق على العراق ، فدمرت القوات الأمريكية الجيش العراقي.

وبعد انتهاء الحرب ، بدأت الحقائق من هنا تتضح امام العالم ، وبدا للنور اجتماع غلاسبي بصدام حسين ، وتوجهت الاتهامات الى غلاسبي  بأنها حصلت على موافقة ضمنية على الغزو العراقي للكويت ، ولكن غلاسبي دافعت عن نفسها مؤكدة على انها حذرت الرئيس صدام حسين من العواقب الوخيمة التي سيصحبها الهجوم على الكويت ، كما قالت انها استخدمت لغة دبلوماسية ، ولكن الرئيس العراقي هو الذي أساء فهمها ، وبالرغم من ذلك فظل قطاع واسع من المحللين والدارسين لا يصدق غلاسبي ولا يثق في اقوالها.

وفي عام 1991 ادلت غلاسبي بشهادتها أمام  لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي للعلاقات الخارجية ، حيث قالت انها حذرت الرئيس العراقي صدام حسين من استخدام القوة لتسوية نزاعه مع الكويت ، كما قالت أيضا ان الرئيس صدام حسين كذب عليها بشأن غزو الكويت ، وعندما سُئلت غلاسبي حول كيفية تفسير صدام لتعليقاتها على أنها تعني موافقة الولايات المتحدة على غزو الكويت ، ردت قائلة إننا لم ندرك أن صدام كان غبي ، ولقد صرح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ريتشارد باوتشر في مؤتمر صحفي عن ثقته في السفيرة غلاسبي ، وقال ان غلاسبي قدمت التقارير عن اجتماعاتها على أساس الملاحظات التي تم إجراؤها بعد الاجتماع ،  بما في ذلك هذا الاجتماع مع صدام حسين.

في حقيقة الامر ان ما قالته غلاسبي لا يخرج عن حدود المجاملات الدبلوماسية ، حيث ان غلاسبي ليست بالمرأة البسيطة التي لا تعرف حدود المساحة التي تتحرك بها ، او دقة المفردات التي يجب ان تستخدمها ، فلقد كانت غلاسبي سفيرة لاقوى دولة في العالم ، والتي لا تختار سفيرا لها إلا بعد أن تفحص درايته وخبرته ولياقته.

ولقد تحملت لوم وزير الخارجية آنذاك جيمس بيكر الذي ألقى المسؤولية عليها وكأنها مسؤولة عن قرار صدام ، أما الرئيس جورج بوش رئيس الولايات الأمريكية في هذا الوقت قد دافع عنها في مذكراته ، وكان منصفا لها .

ولقد روت غلاسبي لصحيفة الحياة اللندنية قصة لقائها مع الرئيس العراقي صدام حسين ، ونفت تلك المقولة التي نسبت اليها بعد لقاءها مع الرئيس صدام والتي تقول نحن لا نتدخل بخلافات حدودية بين بلدين ، وقالت غلاسبي ان الجميع في إدراتها كان على علم ودراية تامة بانها نفذت توجيهات الخارجية الأميركية ، الا ان بيكر فضل ان يحمها هى اللوم عن ان يتحمله بنفسه.

ولقد قالت غلاسبي أيضا في تصريحاتها للصحيفة ، أنها تلقت اتصالا من وزراة الخارجية ، وأبلغوها أن عليها الحضور للوزارة ، من دون تحديد الشخص الذي ستقابله ، وعندما أدركت انها ذاهبة للقاء الرئيس العراقي صدام حسين ، فكرت انه من المؤكد ان تكون الانذارات القوية اللي وجهتها الى العراقيين عبر نزار حمدون ، وكذلك التي وُجهت الى السفير العراقي في واشنطن من جانب مساعد وزير الخارجية الأميركي ، ان تكون جميعها قد وصلت اليه ، وتستطرد غلاسبي قائلة أنها اعتبرت لقائها بالرئيس صدام حسين فرصة جيدة لتكرار التعليمات التي تلقتها من الادارة الامريكية ، والتي مفادها ان لا يحتل صدام الكويت ، وان يرفع يديه عن هذا البلد.

ولقد وجهت غلاسبي اللوم بخصوص الصيغ التي انتشرت عن لسانها الى طارق عزيز ، قائلة أن طارق عزيز من المعروف عنه أنه سيد الكلام فلقد كان وزير إعلام سابق ورئيس تحرير لصحيفة ، وقالت أنها لم تعط صدام أى فكرة عن أن الولايات الامريكية لن تتدخل في أى خلاف حدودى ، واردفت قائلة أن ما قالته كان يتضمن رسالة موجهة لصدام ، مفادها أنه ينبغي ألا يتدخل لا في الكويت ولا في أي مكان آخر.

ولقد أدلت غلاسبي ايضا ببعض الاراء حول ارئيس العراقي صدام حسين ، وملابسات احتلاله للكويت ، وكيف تعاملت معه شخص مصاب بجنون العظمة ، كما كان الجميع يشير اليه ، ولماذا كان الجميع يهابونه.

قالت غلاسبي أن الاقمار الصناعية قد التقطت حشود الجيش العراقي المرابض على الحدود العراقية الكويتية ، بل كل العراق كان مشاهدا للقوات وهى تتدفق نحو الجنوب ، ما اثار قلقاً عميقاً لدى الجميع ، حيث كان الجميع على دراية بما يعد له الرئيس صدام حسين .

وأجابت غلاسبي على الادعاءات التي صرحت بها بعض المصادر في وزارة الخارجية الامريكية ، التي تشير الى أن غلاسبي لم تتلقي أى تعليمات او توجيهات من  وزير الخارجية الامريكية جيمس بيكر ، حيث اجابت بنفي ذلك ، وقالت انها نقلت التعليمات التي وجهت اليها ، وأشارت غلاسبي الى أن الاجتماع في واشنطن مع السفير العراقي في مقر وزارة الخارجية ، قد تم قبل سفر غلاسبي في اجازة ، وان التعليمات التي تلقتها غلاسبي انبثقت عن هذا  الاجتماع ، وبناء عليه توجهت الى وزراة الخارجية العراقية خمس مرات متتالية ، للتأكيد على خطورة القيام  بأي عمل ضد الكويت.

ولقد قالت ابريل غلاسبي عن صلابه وقسوة الرئيس صدام حسين ، أنها لم تكن خائفة منه ، لكنها كانت خائفة ان  يخطيء أو يسيء التقدير ، والذي قد حدث بالفعل ، وقالت أن العالم كله كان يحاول أن يحول بينه وبين ضمه للكويت ، وعلى ما يبدو أنه اساء فهم عدد كبير من العرب ، فلقد كان صدام متوهما ان السعودية ودول الخليج الاخرى ، ستسمح بتمركز القوات على أراضيها ، كما ان صدام أساء فهم الحكومة الامريكية ، فقد كان معتقدا ان حرب فييتنام اثرت سلباً في قرار الحكومة والشعب في الولايات المتحدة ، معتبرا انهم ليست لديهم الشجاعة للقيام بأى عمل.

وقالت عن الرئيس العراقي صدام حسين ايضا انه كان جاهلا لدرجة كبيرة ، فلقد قام بتصميم بدلة حزب البعث ، بحيث تكون شبيهة بالبدلات العسكرية ، على الرغم من انه لم يقاتل قبلا مطلقا ، ولم يكن يعرف شيئا عن الجيوش ، ولكنه كان معتقدا أنه كلما ازداد عظمة كلما ازداد معرفة ، وقالت غلاسبي ان صدام حسين لم تكن قضية الكويت بالنسبة له بخصوص النفط فحسب ، بل كان مصابا بجنون العظمة.

ولم يكن الرئيس صدام مدعوما من قبل الحلفاء العرب كما هو مزعوم ، فلقد كانو على علم كم هو صعب التعامل مع المصاب بجنون العظمة ، فمن الممكن أن ينقلب ضد حليفه لاحقا ، وكان عاهل الأردن الملك حسين على دراية تامة بذلك.

وقالت غلاسبي أن صدام كذب عليها ، حيث أنه طمأنها ، وقال لها ان تذهب في أجازتها وألا تقلق ، وطلب منها أن تطمئن رئيسها ، ولكن عليها أن تخبره أن الوضع على الحدود خطيرا ، فأجابته غلاسبي انها ستذهب ولكنها ستعود على الفور .

ولقد اشادت غلاسبي بموقف الرئيس بوش الذي وصفته بانه كان رائعا ، وقالت انه كان مسترسل التفكير ، وشديد التفهم وكذلك شديد القلق وفقاً لما استوجبه الوضع ، لكن كل شيء بقي عند هذا الحد ،  فما من أحد كان يرغب بتحمل اللوم.

لقد كان اجتياح صدام حسين للكويت بداية النهاية بالنسبة له ، فلقد انعش ذلك استياءا بالغا في اوساط الشيعة في كربلاء والنجف ، حيث انهم تذكروا ما حدث في نهاية الحرب العراقية الايرانية ، ولقد كان القلق يساور صدام دائما من جهة الشيعة خوفا من التعامل مع ايران ، وهذا ما جعله يتعامل معهم بقسوة اكبر.

وقالت غلاسبي ان الماضي بالنسبة اليها لابد أن نتعلم منه ، وان تلك الاحداث التي مرت بها بسبب قضية غزو صدام حسين للكويت هي لم تشعر بالسوء حيالها ، ففي النهاية هي قدمت واجبها و، نفذت التوجيهات التي وجهت لها ، وان كان كل من يشمله اطار القضية لا يحب أن يلقي اللوم عليه ، فهي لا تشعر بالغضب تجاه القاء اللوم عليها ، ففي النهاية هى تعرف والجميع يعرف ومن بينهم الرئيس العراقي صدام حسين نفسه ، انها قدمت التعليمات التي طلبت منها ، وطالبت غلاسبي  بدبلوماسية شجاعة وجريئة وخلاقة مع فهم غربي حقيقي للعداوات والانقسامات في العراق.

وأدلت غلاسبي أيضا برأيها في بعض القضايا العربية الدائلرة في المنطقة العربية إجمالا ، فقد اكدت أبريل غلاسبي قناعتها الشخصية بان حل القضية الفلسطينية هو المحور الأساس الذي ينبغي أن يتم اولا ، حيث أن قضية الصراع الفلسطيني له تشعباته وتبعاته في المنطقة العربية كلها ، وليس من الصحيح القول بأن محور الصراع انتقل الى مكانا أخر مثلما انتشر عقب احتلال العراق.

وفي الحقيقة فإن لغز الكويت لا زال في حاجته الى تفسيرات مقنعة ومنطقية بخلاف تلك القصة التي تتضمن سذاجة غلاسبي ، وكذلك غباء صدام وتهوره ، ومن الضروري الاشارة الى ان القصة التي تناولت أخبار عن مقتل غلاسبي هي قصة مفبركة ، وذلك كان بغرض جعل تلك النهاية التراجيدية وسيلة لتأكيد المزاعم التي تتناول وجود لعبتها التآمرية .

وعندما يتناول أى باحث تلك القضية ، واذا ما بدا في تحريك جزءا صغيرا من خلايا عقله ، سيجد نفسه مضطرا للوقوف أمام مجموعة افتراضات وليس من بينها القصة محل الجدل.

كما ان استعمال نظرية المؤامرة اصبحت تعد ثقافة ايهامية وتبريرية لكل الاحداث الواقعة ، من المؤكد ان تلك النظرية كائنة وتتضمن خططا ووقائع ، ولكن لا يمكن ان تصبح شماعة نعلق عليها نواقصنا الداخلية ، لكن في نفس الوقت لا يمكننا أن تلك النظرية لا توجد على الاطلاق ، حيث أن النظرية التي تقول بنظرية المؤامرة في كل شيء ، والنظرية الثانية التي تنفي مطلقا وجود نظرية المؤامرة لكل منهما مساؤهما الخاصة بها ، وتلك الرواية التي تؤكد  دور غلاسبي في إقناع صدام بدخول الكويت هي حكاية يجب أن نحذفها من تاريخنا السياسي .

ومن المتعارف عليه أن صدام لم يصرح بنواياه وخخطه في غزو الكويت لغلاسبي ، فكيف لغلاسبي أن تشجعه على شيء لم  يقله ؟ كما ان مهما قلنا عن جهل وشطط صدام الذي يجعل في اعتقاده انه لايحتاج الى مشورة أو رأى ، الا أن صدام لم يكن بالسذاجة التي تجعله يقنع بإيهامات غلاسبي وإيحاءاتها ، ولقد ظل صدام حسين عمره كله يشك ويشكك في واشنطن ، فهل من الممكن أن يتحول هكذا فجأة ليصبح بحاجة إلى نصيحتها ؟

ان لقاء غلاسبي بصدام ، بالنسبة لغلاسبي كان لقاء قالت به كلاما دبلوماسيا للغاية ، فكان هدفها هو ابلاغ المهمة التي وكلت اليها ، أم غاية صدام من ذلك اللقاء أن يوهمها بأنه غير مقدم على الغزو وإن حشوده على الحدود مع الكويت هي لأغراض الضغط فقط ، ولا تزال غلاسبي حية ، وقصة مقتلها تلك هي جزءا من السيناريو الذي يحكى عن دورها الوهمى.

وقبل اجتياح العراق للكويت ، كان قد تم عقد قمة بغداد ، ولقد حضرت تلك القمة كافة الدول العربية ، من أجل الخروج من حالة الانقسام ، التي كانت سائدة بين العرب في ذلك الوقت ، ونجحت الكثير من الجهود المبذولة في اقناع  كل الزعماء بالحضور إلا حافظ الأسد بسبب الخلافات العميقة بينه وبين صدام ، حيث انه كانت قد حدثت بينهم مشادات عنيفة في مؤتمر القمة السابق في المغرب.

وكانت تلك  القمة تناقش التهديدات التي يتعرض لها الامن القومي العربي ، واتخاذ التدابير اللازمة حيالها ، وكانت تلك القمة من أكثر القمم حدة وعنيف بين الدول الأعضاء ، وفي تلك القمة وجه صدام حسين النقد للدول العربية الخليجية ، قائلا انها تمارس نوعا من الحرب الاقتصادية ضد العراق ، وكانت تلك اشارة مبطنة الى كل من الكويت والامارات ، وبعد تلك القمة بأقل من شهرين كان اجتياح العراق للكويت.

ولقد كانت تلك القمة التي عقدت في بغداد تحمل أجوءا مشحونة بين العراق والكويت ، لكن على الرغم من ذلك أصر صدام ان يرافق أمير الكويت في سيارته لوداعه ، وأثناء ذلك دار بينهما حوار تناول بعض الجوانب الهامة التي تعلقت بالديون وحصص البترول ، فطالب الرئيس صدام بأن تتم اسقاط الديون الكويتية عن العراق ، لكن الامير رد عليه بأن الديون لا تشكل عائقا في العلاقات بين البلدين ، وقال الامير أيضا أن الديون تمثل مصلحة للعراق ، حيث أنها تمثل فرصة لتأجيل سداد الديون لدى صندوق النقد الدولي ، ولخص ذلك قائلا انه من مصلحة العراق أن يكون دينه كبيرا على الورق .

ثم قامت بغداد بعد تلك القمة بتسليم جامعة الدول العربية مذكرة تتضمن شكوى بشان الكويت ، حيث جدد صدام اتهام الكويت بتسوية مؤامرة نفطية ضد العراق ، لكن الكويت قامت بنفي تلك الاتهامات العراقية ، وطالبت العراق بسداد الديون التي أقرضته إياها خلال حربه مع إيران والمقدرة بمليارات الدولارات.

وهكذا كانت المنطقة العربية ممزقة ، ومن قصة ابريل غلاسبي تلك تتضح لنا رؤية قد تكون غير صائبة ، ولكنها هى التي بدت واضحة جلية خاصة في تلك الحقبة ، وهى ان الوطن العربي  برغم الانتماء لبقعة واحدة ، تاريخ واحد ، بل حتى دين واحد ، فنحن تتفق انتمائتنا ، ولكن اشلائنا ممزقة بأيدينا قبل حتى أن يدخل بيننا غريبا ، ليتنا ندرك كم أن الله حبانا مميزات عن سائر البلاد ما يجعلنا مؤهلين للصمود في وجه أعدائنا الراغبون في دحض وجودنا ، واستنزاف ثرواتنا ، ولكن للأسف كل كيان لاهي في حاله ، لا يشغله أشقته من الاوطان ، ليت الامر يقف عند هذا الحد ، بل أنه قد يصل الى أنه اذا تعارضت مصلحة احدى الكيانات العربية مع احدى شقيقاتها ، ستفعل ما في وسعها لكى تحقق مصلحتها دون مراعاة ما سوف يلحق بالاخرون من أضرار ، وخير مثال على ذلك ما حدث بين العراق والكويت ، فلم يضع الرئيس العراقي صدام حسين اعتبارات للعروبة ، ومضى في طريقة لاجتياح الكويت ، وقتل أبناءها بيديه ويد جنوده ، وهو الذي كان من الاجدر به الا يفعل ، لقد كانت تلك الحرب بمثابة قسمة ظهر العرب ، ولم تعد مصالحهم تتلاقي منذ تلك الحقبة التي أودت بصدام الى الهاوية ، وأودت بصورة العرب الأخوة المتحدين في أنظار الغرب الى الزوال ، فما من بد الا الاعتراف ، بأن العرب لم يعد يربطهم سوى هوياتهم ، وبعض الاغراض التي تفرضها عليهم الظروف أحيانا.

Leave A Comment