فضيحة موساك فونسيكا

على محور الفضائح المحاسبية العالمية تبرز فضيحة كبيرة لشركة خدمات قانونية ، تقوم بأعمال العديد من الشركات العالمية ، والدول الكبرى ، الا أن ذلك لا يشفع لها ، ولا يعفيها من الادانة والتورط ، فلقد كانت تلك الشركة التى تحمل أسماء مؤسسيها ، فضيحة تورط فيها أثر من 200 ألف كيان على مستوى العالم ، وعمليات مالية بالملايين ، وسنتعرف على كل ذلك بشكل أكثر دقة وتفصيلا فيما يلى.

التعريف بموساك فونسيكا :-

يعتبر موساك فونسيكا  مكتب محاماة ومزود خدمات للشركات ، وخلال فترة ما من الفترات كان أحد رابع أكبر مزود للخدمات المالية الخارجية في العالم بعدد مكاتب تجاوز 40 مكتبًا .

تم تأسيس الشركة من المحامي الألماني يورغن موساك ، ثم انضم اليه بعد ذلك الروائي والمحامي البنمي رامون فونسيكا وكان ذلك في عام 1986 ، ومن ثم انضم اليهم المحامي السويسري كريستوف زولينجر والذي اصبح المدير الثالث للشركة.

وكان نشاط الشركة متخصص في القانون التجاري، وخدمات الائتمان ، واستشارات المستثمرين ، وهياكل الأعمال التجارية الدولية ، بالاضافة الى خدمات حماية الملكية الفكرية والقانون البحري ، ومما ذكرته الوثائق أن عمل الشركة يتألف من بيع المركبات بنسبة 95%  لتجنب الضرائب .

وتعتبر تلك الشركة واحدة من أكبر مزودى الشركات بعد العديد من عمليات الاستحواذ على شركات محلية ، في حين أن مؤسس الشركة يُشير الى أن حجمها لا يمثل سوى 5% من الصناعة القانونية للخدمات المالية العالمية ، وتتشعب الشركة عالميا حيث أنها تمتلك فروعا في جميع انحاء العالم ، كما أن الموقع الإلكتروني للشركة يمثل شبكة عالمية يعمل بها 600 شخص في 42 دولة ، ولقد تمثلت سياسة الشركة في أن تنشط في البلدان التى تفرض ضرائب منخفضة للغاية مثل سويسرا ، وقبرص ، وغيرها .

مكاتب الشركة  :-

وتتوزع مكاتب الشركة وعددهم 44 مكتب على جميع أنحاء العالم ، فمنهم 9 مكاتب في الصين ، ومكتبان في سويسرا ، والباقي تضمه الولايات المتحدة ، وأمريكا اللاتينية ، وأوروبا الا أنه لم يتم الكشف عن عدد المكاتب الذي تضمه كل منهم .

كما قامت الشركة بإرسال محامين إلى دول أجنبية للترويج للأعمال التجارية في بنما والمنتجات المالية البنمية ، حتى انها تمكنت من تأسيس مقر لها في في جزر فيرجن البريطانية ، ولقد سعت دولة نييوي لأن تصبح مركزًا ماليًا خارجيًا ، فى تلك الاثناء تقدمت بطلب الاستشارة من الشركة ، فقامت الشركة بإدارة أعمالها حصريا من خلال مقرها الرئيسي في بنما ، لكن جاء إعلان البنوك الأمريكية حظرا على التحويلات المصرفية إلى نيوي بمثابة بضرب مصالح الشركة ، وتضرر أعمالها ، فقامت الشركة بوقف العمل في نيوى ، ونقلت حسابات عملاء الشركة من نيوي إلى ساموا الأمريكية.

القضايا والاتهامات التى وُجهت الى الشركة :-

وتم توجيه مجموعة من الاتهامات الى الشركة ، والتى تتضمن تهمة مساعدة المواطنين الأجانب على التحايل على قوانين الضرائب المحلية وحتى العقوبات الدولية في بعض الأحيان ، الا أن الشركة قامت بنفى ذلك ، وأضافت أنها بكل بساطة تقوم بمساعدة عملائها على تحقيق الخصوصية.

كما تم استدعاء الشركة من قبل صندوق تحوط يسعى لاسترداد الأموال من الحكومة الأرجنتينية ، حيث زعم الصندوق أن شركة موساك أنشئت شركات وهمية لتهريب الأموال من الحكومة إلى لازارو بايز  ، ولقد أفاد يورغن موساك بشهادته تحت القسم ، حيث قال أنه لا توجد أي صلة بين مؤسسة نيفادا مع شركة موساك فونيسكا

وبعدما تسربت ملفات بنما الى وسائل الاعلام ، ثبت كذب يورغن موساك ، حيث تكشف تلك الملفات عن أن شركة نيفادا شركة فرعية مملوكة بالكامل ، وبذلك حكم قاض ضد موساك فونسيكا وأمرهم بتسليم ملفات 123 شركة وهمية أنشأها زميل الرئيس الأرجنتين السابق.

شركة موساك فونيسكا تدافع عن نفسها :-

وقالت شركة الخدمات القانونية موساك فونسيكا بشأن الوثائق والاوراق المسربة ، إن التقارير الإعلامية التي تتحدث عن عمليات تهرب ضريبي وتبييض أموال اعتمدت على مزاعم غير دقيقة عن نشاطها ، وأضافت إن هذه التقارير الإعلامية اعتمدت على افتراضات وأحكام مسبقة ولعبت على عدم اعتياد الناس على نشاط شركات مثلها .

كما أعلنت شركة موساك فونسيكا إنها تقوم بتأسيس شركات أوفشور لصالح عملائها ، لأسباب مشروعة عديدة منها القيام بصفقات اندماج أو استحواذ عابرة للحدود أو إشهار الإفلاس أو السلامة الشخصية لصاحب الثروة ، أو لتنفيذ عمليات إعادة الهيكلة أو جذب رؤوس أموال من مستثمرين ينتمون إلى أنظمة قضائية مختلفة ويريدون نظام قانوني وضريبي محايد لا يضر ولا يفيد أي مستثمر واحد منهم دون الآخر . وأضافت نحن نعمل في الحدود القانونية والعملية لقدرتنا على تنظيم استخدام الشركات التي نؤسسها أو نقدم لها خدماتنا الأخرى.

انتقادات حادة :-

الا أنه وبالرغم من ذلك نجد أن النظام المالي البنمي ظل يتعرض لانتقادات حادة منذ تسرب “وثائق بنما” ، حيث أن تلك الاوراق كشفت كيف يقيم مكتب المحاماة “موساك فونسيكا” شركات أوفشور لآلاف الزبائن عبر العالم.

وقامت الشرطة البنمية بمداهمة وتفتيش مقر مكتب المحاماة موساك فونسيكا محور فضيحة التهرب الضريبي المعروفة بـ”وثائق بنما“، للبحث عن أي أدلة على أنشطة غير قانونية ، وتؤكد على تلك الاتهامات التى وُجهت الى موساك فونسيكا والتى تتضمن التهرب الضريبي والغش ، وأخذ ضباط شرطة وسيارات دورية في التجمع حول مبنى الشركة تحت قيادة ممثل الادعاء خافيير كارافالو المتخصص في الجريمة المنظمة وعمليات غسيل الأموال.

وقبيل عمليات التفتيش طلب رئيس بنما خوان كارلوس فاريلا من الحكومة الفرنسية إعادة النظر في قرارها إدراج بنما على لائحة الجنات الضريبية وإلا فإن بلاده ستتخذ إجراءات انتقامية دبلوماسية.

فأعلنت فرنسا أنها ستقوم بإدراج هذه البلد التى تقع في وسط أميركا مجددا في عام 2017 ، على لائحة الجنات الضريبية التي كانت سحبتها منها في 2012 وانها ستطلب من منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية القيام بالإجراء ذاته.

كما قدمت المفوضة الأوروبية خطة جديدة لإجبار الشركات المتعددة الجنسيات على اعتماد الشفافية الضريبية ، وستعمل المفوضية وفق هذه التوجهات الجديدة على أن تقوم بنشر في كل بلد عضو في الاتحاد الأوروبي المعطيات المحاسبية والضريبية للشركات المتعددة الجنسيات ورقم المعاملة والأرباح والقاعدة الضريبية والضرائب المدفوعة في مختلف الدول الاعضاء.

وعندما فتشت سلطة الضرائب في البيرو  فرع مكتب المحاماة البنمي في ليما وحجزت وثائق ، كما صادرت شرطة السلفادور معدات معلوماتية ، ولقد تورط أكثر من 214 ألف كيان أوفشور في عمليات مالية في أكثر من 200 بلد ومنطقة ، كما تورط في عمليات التهرب الضريبي هذه مسؤولون كبار، سياسيون ورياضيون وأثرياء ، فأعلن مكتب المحاماة موساك فونسيكا الذي سربت منه وثائق فضيحة اوراق بنما ، وقف كل نشاطاته بسبب الاضرار غير القابلة للاصلاح التي لحقت بسمعته ، حيث قال مكتب المحاماة في بيان ان تدهور سمعتنا والحملة الاعلامية والضغط المالي والتصرفات غير النظامية للسلطات البنمية تسببت كلها باضرار لا يمكن اصلاحها بما فيها النتيجة الحتمية بوقف كامل لكل النشاطات.

واعترف يورغن موساك احد مؤسسي مكتب المحاماةبانه اضطر لاغلاق معظم مكاتبه في الخارج بسبب تراجع نشاطه ، وبين الشخصيات التي طالتها الفضيحة رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف والبريطاني ديفيد كاميرون والرئيس الارجنتيني ماوريسيو ماكري والمخرج السينمائي الاسباني بيدرو المودوفار ، وتم فتح 150 تحقيقا على الاقل في 79 بلدا في قضايا تهريب ضريبي او تبييض اموال ، حسب المركز الاميركي للنزاهة العامة.

 كما أصدر المدعون العامون في كولونيا بألمانيا عام 2020 ، مذكرات توقيف دولية بحق البنمي رامون فونسيكا ويورغن موساك ألماني المولد بتهمة التهرب من الضرائب وتشكيل منظمة إجرامية.

وأعلنت شركة موساك فونسيكا ، على لسان مسؤول ، انها ستواصل تقديم الخدمات للزبائن كما كانت عليه خلال العقود الأربعة الماضية ، كما أكدت على أنها تعتزم ملاحقة أولئك الذين تسببوا بتسريب الوثائق التابعة للشركة قضائيا .

وفي الوقت نفسه رفضت موساك فونسيكا تأكيد حقيقة تلك الوثائق ووصفت هذه التسريبات بالجريمة ، وقال محامى الشركة أن الشركة تعرضت لعملية قرصنة إلكترونية ، في دولة خارجية ، وإنه تم رفع شكوى بهذا الصدد إلى دائرة الإدعاء العام في بنما.

من خلال ما سبق يتضح أن فضيحة شركة موساك فونسيكا ما هى الا امتداد للفضيحة الخاصة بتسريب وثائق بنما ، كما أن كلتا الفضيحتين وطيدتا الصلة بالتهرب الضريبي والغش ، والتلاعب في الأنظمة المالية ، واستغلال المناصب ، بالاضافة الى التزوير والتربح ، فعلى ما يبدو أن هذا النوع من الفضائح كان شائعا في الفترة التى بدأت من التسعينيات ، وأسقطت النظام المالى ، وقادتنا الى الأزمة العالمية ، والتى يحاول العالم النهوض منها بكل ما يملك من قوة ، فهل سينقذ المحللون والخبراء سياسة البلاد المالية ، أم أن هذا النوع من الفساد سيظل مستمرا ؟

Leave A Comment