فضيحة بيع جوازات جزر القمر
وعلى مر السنوات لم ، ولن تتوقف الفضائح التى تطال اصحاب المناصب والسياسيين ، بل حتى تمتد لتشمل رؤساء الدول ، ولكل بلد ظروفه السياسية ، والتى من المفترض أن يمتثل أصحابها لمصالحها ، ويتولوا رعايتها ، وان ينصرف هؤلاء عن تحقيق مصالحهم الخاصة ، ولكن في الواقع ، ووفقا لكثير من الاحداث التي شهدتها الأزمنة ، والبلدان المختلفة ، أن المصلحة الخاصة للمسؤليين غالبا ما ترجح كفتها ، عن المصلحة العامة للشعب ، وكل في مصلحته يسعي ، وللأطماع دائما صوت أعلى من أرواح الشعوب ، ومصالحهم ، وذلك وفقا لما تمليه ضمائر الفاسدين من أصحاب النفوذ ، ومقرري مصائر الدول ، وأبنائها ، عليهم. فالكل يسبح في مجراه الخاص ، ويغوص في جُرمه ، ويتأتى منه حتى يمتليء ، ولكنه بالرغم من الفساد الذي يتوغل فيه ، لا يشبع.
وتعتبر فضيحة بيع جوازت سفر جزر القمر ، هى قضية رشوة وفساد ، وغسيل أموال ، الى جانب اختلاس الأموال العامة ، وتتربط تلك الفضيحة ببرنامج الجنسية عبر الاستثمار ، الذي أطلقته حكومة جزر القمر ، ولقد كان من المفروض ان تمول عائدات البرنامج التنمية ، في البلاد ، ولكن تم اختلاسها من قبل المخططين ، ومن بينهم رئيسان سابقان لجزر القمر .
وهذا المشروع تم التسويق اليه عام 2008 ، والذي كان يُنظر اليه على انه فرصة لجذب الاستثمار الوافد الى جزر القمر ، من المستثمرين الخليجيين الأثرياء ، ولكن بعد تمريره ، تم ترويجه إلى حكومات الإمارات العربية المتحدة والكويت كصفقة لبيع جنسيات جزر القمر بالجملة حتى يمكن توزيعها بحرية بين عديمى الجنسية ، امقيمين في تلك البلدان.
بالإضافة إلى ذلك ، زُعم أنه قد تم بيع الآلاف من جوازات السفر خارج القنوات الرسمية من قبل شبكات «المافيا» ، لأفراد من بينهم ايرانييون ، كانوا متورطين في قطاعات استهدفتها ، العقوبات الدولية ضد ايران ، فأثار ذلك مخاوف بين الدبلوماسيين والمسؤولين الأمنيين في الغرب من استخدام الإيرانيون لهذا البرنامج للتهرب من العقوبات.
وفى العام 2018 ، أعلنت حكومة جزر القمر ، في بيان رسمى ، أن جنسية جزر القمر قد بيعت إلى 52 ألف أجنبي ، و أن الحكومة كان ينبغي أن تحصل على 260 مليون دولار من العائدات ، ولكنه حتى الان ، لم يتم محاسبة أحد على المبالغ النقدية الطائلة التي تم هدرها.
ولقد اوقف رئيس جزر القمر ، غزالي عثماني ، هذا البرنامج بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 ، وفي عام 2018 ، توجهت الاتهامات الى رئيس جزر القمر السابق أحمد عبد الله محمد سامبي ، ورجل الاعمال الفرنسي السورى بشار كيوان ، ومجموعة شركاء أخرين بالفساد ، واختلاس الأموال العامة فيما يتعلق بخطة بيع جوازات السفر في جزر القمر.
ولقد كان رجل الأعمال الفرنسي السورى محمد بشار كيوان ، هو العقل المدبر لمخطط بيع جوازات السفر في جزر القمر ، حيث كان شريكه المقرب ، الرئيس السابق لجزر القمر أحمد عبد الله سامبي سيكون له سلطة تقديرية لمنح الجنسية.
وبعد اقرار قانون الجنسية الاقتصادية ، قام بشار كيوان بتسويق فرصة شراء جوازات سفر جزر القمر بشكل جماعي لحكومتي الكويت والإمارات العربية المتحدة ، من أجل توزيعها على السكان المحليين من البدون ، وهم عديمى الجنسية ، ولقد تعهدت الامارات ، بدفع 200 مليون دولار مقابل تجنيس 4000عائلة من البدون ، الذين سيحصلون على وثائق الجنسية القمرية.
وفي الكويت ، أعلن مازن الجراح الصباح ، الوكيل المساعد لشؤون الجنسية والجوازات بوزارة الداخلية الكويتية ، أن الحكومة الكويتية تتفاوض مع جزر القمر لمنح جنسية البدون مقابل منافع اقتصادية.
وقال ان العملية ستبدأ بمجرد أن تفتح سفارة جزر القمر في الكويت ، ولكن في النهاية أُلغيت الخطة بعد ان انتقدها المشرعون الكويتيون .
ولقد اطلعت رويترز على مجموعة من الوثائق ، تشير الى انه تم بيع أكثر من 300 جواز سفر من جزر القمر لإيرانيين أثناء رئاسة أحمد عبد الله سامبي. واستمرت مبيعات جوازات السفر للإيرانيين تحت حكم خليفته إيكليلو ضوينين.
حتى ان وزير خارجية جزر القمر ، سويف محمد الامين ، قال ان الغالبية العظمى من الأشخاص الذين حصلوا على جوازات سفر ، خارج نطاق البرنامج الرسمي ، هم من اصل ايراني ، أو على الأقل يعملون في صالح ايران ، ولقد تسبب ذلك في مشاكل لجزر القمر ، فيما يتعلق بالشركاء الخليجيين ، وخصوصا السعودية ، والامارات.
وبعد ذلك تم انتخاب غزالى العثمانى رئيسا ، وبعد انتخابه انشأ لجنة تحقيق برلمانية ، للتحقيق في برنامج منح الجنسية للإمارات والكويت للبدون ، وقامت تلك اللجنة باستدعاء ألبرت كارزيوان ، المالك والرئيس التنفيذي لمجموعة سيملكس ، وهى الشركة التى طبعت جوازات سفر جزر القمر ، وذلك على امل ان يدلى بشهادته ، ولكن كرازوان لم يحضر الى الاستجواب.
ولقد نشرت اللجنة تقريرا ، يشير الى ان الامارات أبلغت سلطات جزر القمر أنه قد تم بيع مئات جوازات السفر خارج برنامج البدون ، واتهم هذا التقرير الرئيسين السابقين لجزر القمر أحمد عبد الله سامبي وإكيليلو ظنين ، بأن كلاهما متورط في احتيال منهجى ، ودعا إلى اتخاذ إجراءات جنائية بحقهما.
كما ان هذا التقرير اشار الى ان الالاف جوازات السفر ، بيعت خارج القنوات الرسمية من قبل شبكات المافيا ، وان ملايين الدولارات من عائدات بيع جوازت السفر ، لم تتسلمها الحكومة ، وأشار ايضا هذا التقرير الى ان أحمد عبد الله سامبي وبشار كيوان ، قاما باختلاس ملايين الدولارات من مخطط بيع جوازات السفر.
ووفقا لوزير الخارجية سويف محمد الامين ، أن هناك اموالا لم تصل الى الخزانة أبدا ، والبلاد في حاجة لاستعادتها من الاشخاص الذين استفادوا ، بما في ذلك الاجانب.
ولقد قامت الشرطة البلجيكية ، بتفتيش مقر مجموعة سيميلكس في بروكسل ، وكذلك منزل ألبرت كارزيوان ، ولقد قال متحدث باسم المدعي الفيدرالي البلجيكي إن عمليات البحث تتعلق بقضية غسل أموال وفساد محتمل.
وبعد ذلك قام مسؤولو إنفاذ القانون في جزر القمر ، بمداهمة مكاتب مجموعة سيمليكس في جزر القمر كجزء من تحقيقهم في مبيعات جوازات السفر ، ولقد خلص التحقيق البرلمانى الى ان ابن شقيق الرئيس السابق سامبي ، كان بمقدوره ، باعتباره جزءا من صلاحياته ، الذهاب وطباعة العديد من جوازات السفر كما يشاء ، في منشأة الطباعة التابعة لشركة سيمليكس في بلجيكا.
وعليه قامت سلطات جزر القمر ، بتوجيه الاتهام الى الرئيس السابق أحمد عبد الله سامبي ، وبشار كيوان ، بالفساد واختلاس الأموال العامة والتزوير المتعلق ببيع جوازات سفر جزر القمر.
ولقد جاءت التقارير التى خلصت اليها اللتحقيقات ، انه في اللمجمل قد تم بيع أكثر من ستة آلاف جواز سفر ، خارج القنوات القانونية ، مقابل مبالغ تراوحت بين 25 و200 ألف يورو للجواز الواحد ، تمت سرقة معظمها ، وذلك وفقا للتقرير البرلماني.
وبحسب التقرير أيضا فقد خسرت الدولة نحو 971 مليون دولار ، أى ما يعادل 80 % من الناتج المحلى الاجمالى للبلاد.
وبناءا على الاتهامات التى وجهت الى سامبى ، والتى نفاها في عديد من الاستجوابات التى أجريت معه ، تم وضعه قيد الاعتقال المنزلي ، وتطبيق الاقامة الجبرية عليه ، خصوصا عقب محاولته تحريض أنصاره على الاحتجاج ، وذلك عقب عودته من رحلة خارجية استمرت عدة شهور.
ولقد كانت سلطات جزر القمر قد حظرت سفر كل من سامبي وخليفته في الحكم ، الرئيس إكيليلو ظنين ، الى جانب عشرة من كبار المسؤولين في ادارتيهما.
وقات قوات من الجيش في العاصمة موروني ، باقتحام مقر إقامة سامبي في حي فوادغو ، ومنعت قوات الأمن مرافقين له من مغادرة مقر إقامته.
ولقد جاءت هذه الخطوة ضد سامبي ، بعد توجيهه انتقادات لقرار الرئيس الحالي عثمان غزالي بحل المحكمة الدستورية ، في حين أن الحكومة الحالية تؤكد أن اعتقاله جرى بسبب الفساد ، وانه لم يكترث الى ان جزر القمر كانت قد بدأت برنامجها لبيع جوازات السفر ، كوسيلة لجمع أموال تحتاجها بشدة ، وأخذ هو شركاؤه في نهب الأموال التى جُمعت نتيجة بيع جوازات السفر ، ولقد قال محام يمثل سامبي إنه محتجز في ظروف أشبه بالسجن ، ولقد استأنف سامبي أمام المحكمة العليا لمنحه حق الوصول غير المقيد إلى محاميه للدفاع عن نفسه في قضية الفساد.
وكان سامبي وظنين قد نفا ارتكاب أي خطأ ، لدى مثولهما أمام لجنة برلمانية تحقق في الاتهامات ، ولقد أكد المحامين ، انه قد تم سحب الحراس الشخصيين لسامبي ، ومصادرة تلفزيونه وهاتفه وحاسوبه ، ومن المرجح ان يهدد تحرك المحكمة لتوجيه التهم إلى سامبي ، بإثارة التوتر في هذا البلد الواقع في المحيط الهندي والمنقسم سياسيا.