فضيحة عملية مغسل السيارات

راشاوى شملت مليارات الدولارات ، وتحويلات سرية ، وعقودا غير قانونية ، وغسيل أموال ، من المؤكد تلطخها بأعمال غير قانونية ،ذلك ما كانت عملية مغسل السيارات تنطوى عليه ، وكل ذلك من بين الفضائح السياسية المشينة التاي يتورط فيها السياسيون ، والحكام ، وممثلي البلاد ، ولاسيما حتى القضاء منقذ البلاد من البلاء ، ومطبق القانون والعدل ، قد تطاله يد الفساد هو الأخر ، والكل يسبح في فلك الأهواء والأطماع الشخصية ، وأصبحت كراسي السلطة ، والمناصب السياسية ، ملطخة بوصمة الفساد ، ورائحة الأطماع والفضائح تفوح من بين أركانها.

وعملية مغسل السيارات ، هي في الأساس تحقيق جنائي أجرته الشرطة الاتحادية لفرع كوريتيبا في البرازيل ، وتشير التحقيقات في تلك العملية الى تورط اعضاء اداريين في شركة النفط المملوكة للدولة  بتروبراس ، وسياسيين من اكبر الاحزاب البرازيلية ، بما في ذلك رؤساء الجمهورية ، وكذلك رؤساء مجلس النواب ، ومجلس الشيوخ الاتحادى ، وحكام الولايات ، بالاضافة الى رجال اعمال من شركات برازيلية كبرى ، وتعتبر الشرطة الفيدرالية تلك العملية ، وهذا التحقيق أكبر فساد في تاريخ البلاد.

وبدا هذا التحقيق في مارس عام 2014 ، وفي البداية كان يرأس هذا التحقيق القاضي سيرجيو مورو ، وفي عام 2019 رأسه القاضي لويس أنطونيو بونات .

وبدأت القصة من رجل الاعمال هيرميس ماغنوس ، الذي أبلغ عن محاولة لغسل الاموال من خلال شركته دنيل للصناعة والتجارة ، وهى شركة مصنعة للمكونات الالكترونية.

وأسفرت التحقيقات الاولية عن تورط أربع عصابات إجرامية كبيرة في تلك العملية ، برئاسة كل من كارلوس حبيب شاطر ، وألبرتو يوسف ، ونيلما كوداما ، وراؤول هنريك سرور ، وكان التحقيق متمركزا في البداية على تجار العملات الأربعة في السوق السوداء ،  والمدفوعات غير الصحيحة لألبرتو يوسف ، خصوصا بعد ان اكتشفوا أن البرتو يوسف استحوذ على سيارة رينج روفرز وإيفوك لباولو روبرتو كوستا ، فتوسعت التحقيقات في جمبع انحاء البلاد ، بمجرد توجيه الاتهام اليه ، وافق كوستا على تقديم أدلة للتحقيق ، حيث انه قد قدم حديثا قانون التعاون المجزى ، نوعا من المساومة على الإقرار بالذنب ، والتى تشتمل على تخفضيات العقوباتى للمتهمين ، في حال تعاون المتهمين في التحقيقات ، فأظهرت إفادة كوستا الأحزاب السياسية التي تسيطر على بتروبراس.

وادى ذلك الى موجه من الاعتقالات ، وزعم أن فرناندو سواريس كان على صلة بين شركات البناء البرازيلية الكبرى والحكومة التي شكلها حزب العمال والحركة الديمقراطية البرازيلية ،  وبعد كوستا وسواريس ، وافق كثيرون آخرون على التعاون مع الادعاء ، وبحلول عام 2017 وجه مكتب المدعي العام الاتحادي 37 تهمة جنائية ضد 179 شخصًا ، مُعظمهم من السياسيين ورجال الاعمال ، ولقد اتهم أكثر من ثلثمائة شخص بإرتكاب جرائم في تلك الفضيحة .

وبعد ان تم الحكم على  مارسيلو أودربرجت ، حفيد مؤسس الشركة ، بالسجن لمدة 19 عامًا ، ، كان هو ومديرون تنفيذيون آخرون بسبب قانون تخفيف العقوبة ، على استعداد للعمل كشهود وتقديم معلومات حول مخطط الفساد الواسع.

وكان لدى أودربرجت فرع سري يستخدم لدفع مدفوعات غير قانونية في العديد من دول أمريكا اللاتينية ، وبعد أن اعترفت الشركة برشوة المسؤولين في اثني عشر دولة ،  تم فرض غرامات على أودربرجت من قبل سلطات البرازيل وسويسرا والولايات المتحدة الامريكية .

ودخل كوستا ويوسف في صفقة مع المدعين ، واتسع نطاق التحقيق ليشمل تسع شركات بناء برازيلية كبرى ، ولقد نفت رئيسة البرازيل ديلما روسيف ، التى ترأست مجلس إدارة بتروبراس من علم 2003 الى عام 2010 ، علمها بإرتكاب اى مخالفات ، كما اُدين إدوارد كونها رئيس مجلس النواب من عام 2015 الى عام 2016 ، بتلقي ما يقرب من 40 مليون دولار من الرشاوى وإخفاء الأموال في حسابات مصرفية سرية وحكم عليه بالسجن 15 عامًا ، واحقاقال لحق ، لقد أدار لولا دا سيلفا الجزء الأكبر من عمليات الفساد التي تجاوزت حدود البلاد.

ولقد دخل دا سيلفيا الى قائمة الاتهامات في عام 2018 ،  بعد أن حُكم عليه بتهمة الفساد السلبي وغسيل الأموال فيما يتعلق بشقة فاخرة في غواروجا ، ومع ذلك ، ظهرت الاتصالات غير القانونية بين المدعين العامين في مغسل السيارات وقاضيها الرئيسي في عام 2019 ، وأشاروا الى أن دافع الادعاء نحو دا سيلفا هو منع إعادة انتخابه ، كما كانت هناك دعوات للإفراج عن الرئيس السابق ، ونتيجة لذلك ، تم إطلاق سراحه بعد صدور حكم من المحكمة العليا.

ولقد أدين أيضا الملياردير البرازيلي إيكي باتيستا برشوة حاكم ريو دي جانيرو السابق ، بعد أن دفع لكابرال مبالغ مالية ضخمة تخطت ال16 مليون دولار ، وحُكم عليه بالسجن لمدة 30 عاما.

وخلال السنوات العديدة التى مرت بها تلك الفضيحة ، توسعت عملية مغسل السيارات في غسيل الاموال ، لتشمل الفساد الاوسع في البرازيل ، وخارجها فيما لايقل عن عشر دول اخرى ، حتى خارج امريكا الجنوبية .

وكشفت مجموعة من المستندات الإلكترونية السرية المتعلقة بالاستثمار الخارجي والتى عُرفت باسم اوراق الجنة ، ان أودربرجت استخدم على الاقل شركة واحدة كوسيلة لدفع الرشاوى من خلال تحقيق عملية مغسل السيارات .

وفي الارجنتين يشار الى تورط كريستينا فيرنانديز ، حيث انه خلال فرتة حكمها ، مُنح أودربرجت عقودا مبالغ فيها ، تخطت ال 9 مليار دولار أمريكي ، وفي المكسيك يُشتبه في  أن المدير السابق لشركة النفط المملوكة للدولة Pemex ، تلقى رشاوى بقيمة 10 ملايين دولار من شركة أودربرجت ، اما في بنما تم إقالة رئيس حزب  بانامينيستا البنمي ، رامون فونسيكا مورا ، بسبب تورطه في الفضيحة .

ويكشف تقرير صادر عن الشرطة الفيدرالية البرازيلية ، عن تورط الرئيس أويانتا هومالا في رشوة من قبل أودربرجت لعقود الأشغال العامة ، ولكنه نفي تلك التهم ، وتجنب الاجابة على تساؤلات وسائل الاعلام ، ثم تم القبض عليه هو وزوجته واحتجازهما قبل المحاكمة بعد التحقيقات في تورطه في فضيحة أودربرجت.

كما ان رئيس بيرو بيدرو بابلو كوتشينسكي هو الاخر ، مثل  أمام الكونجرس للدفاع عن نفسه ، حيث وجهت اليه اتهامات تُزعم بتستره على مدفوعات غير قانونية ،  من شركة أودربرجت لشركة Westfield Group Capital ، فاستقال  كوتشينسكي من الرئاسة ، وتم ارساله الى الحبس الاحتياطى.

ولقد توفى آلان غارسيا ، الرئيس السابق لبيرو والذي كان متورطًا أيضًا في الفضيحة ، منتحرًا بعد أن أطلق النار على رأسه أثناء محاولة الشرطة القبض عليه.

وتورط ايضا الرئيس السابق أليخاندرو توليدو ، في فضيحة الرشوة ، وتم القبض عليه في كاليفورنيا بتهمة تلقي رشاوى فيما يتعلق بعقد بناء طريق سريع.

وفى عام 2019 ، تسربت بعض الرسائل والمحادثات السرية ، بين أعضاء النظام القضائي البرازيلي ، بما في ذلك قاضي مغسل السيارات ووزير العدل السابق سيرجيو مورو والمدعي العام الرئيسي دلتان دالاغنول ، واللذان اتهموا بانتهاك الاجراءات القانوينة أثناء التحقيقات.

ولقد كان الهدف من ذلك اظهار  سيرجيو مورو القاضي الذي أصبح بطلاً في البرازيل لسجن رجال الأعمال والوسطاء والسياسيين الأقوياء بالتواطؤ أمام المدعين العامين.

وفى عام 2020 ذكرت صحيفة إنترسبت أن المدعين البرازيليين تعاونوا سراً مع وزارة العدل الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ، بطريقة ربما تكون انتهكت المعاهدات القانونية الدولية والقانون البرازيلي ، وبما انه لم يتم ابلاغ وزارة العدل البرازيلية ، فلقد اعتبر هذا التعاون غير قانونى .

لكن الكونغرس والمحكمة العليا ، وكذلك الأحزاب السياسية ، يعارضون التحقيقات ، بسبب اقتراب التحقيقات من الكشف عن فساد من أعلى المستويات ، و يرى المحللون جهودًا متضافرة للتراجع عن جهود مكافحة الفساد العدوانية في البرازيل ، وذلك بعد ان أصبح جاير بولسونارو رئيسًا ، وخصوصا منذ أن تورط هو وأفراد أسرته بالفساد.

وهكذا نجد ان عملية مغسل السيارات ، من أشهر وأوسع الفضائح السياسية انتشارا ، والتي ضمت كثير من رؤوساء العالم ، وغيرهم من السياسين المرموقين الشأن ، وعلى غرار معظم الفضائح والأحداث ، تبيت فضيحة مغسل السيارات قيد الكتمان ، نتيجة تورط أسماء كبرى بها ، وبين الحين والأخر ما تكشف التحقيقات والتقارير السياسية عن أخبار جديدة تخص تلك القضية المستمر منذ عام 2014 ، وتاوالى علييه العديد من القضاة ورؤساء المحاكم ، والذين من بينهم من تواطيء مع المتهمين في القضية.

Leave A Comment