فضيحة هارفي وينشتاين
في كل مرة أسرد فيها عليك عزيزى المشاهد فضيحة من الفضائح التى يمتلأ بها العالم ، أكون على دراية بالدافع الذي قاد الى هذا السلوك السيء ، والذي يتحول الى فضيحة فيما بعد ، الا أن الدافع هذه المرة ، نابع من سلوك غير سوى ، سلوك مرضي ، قاد صاحبه من جرائم مشينة تحدث في مجتمعاتنا كل يوم ، الى فضيحة كبري تهتز لها الاركان ، تلك الفضيحة تختص بواحد من عمالقة صناعة السينما في هوليوود ، والتى أودت الفضيحة بوجوده فيها بعدما تأججت ، وهو هارفي وينشتاين ، ذلك الرجل الذي بلغ من العمر أرزلة ، الا أن جرائمه ظلت تلاحقه طوال ثلاثون عاما ، حتى قضي الامر في النهاية ، وقررت ان تقوده الى أن ينال عقوبه ما فعله طوال تلك السنوات ، وان يجنى هارفى وينشتاين ، حصاد أفعاله.
هارفي وينشتاين ، هو منتج ، ومخرج سينمائي أمريكي ، ولقد تمكن من تحقيق شهرة عالمية كمنتج أفلام مستقل وشريك مؤسس لشركتي أفلام ميراماكس وواينستين المتخصصتين في مجال صناعة السينما الأمريكية.
هذا الرجل الذي لم تصبح قضيته مجرد فضيحة تمس سمعته بالسوء ، بل انها تحولت لقضية رأى عام تهتز لها هولييود ، ويدين لها صناع السينما الامريكية ، وعلى مدى ثلاثون عاما ، ارتكب عشرت الجرائم الجنسية المتنوعة ، ما بين تحرش واعتداء واغتصاب ، وعندما أقدم العديد من الشخصيات البارزة في صناعة السينما باتهام وينشتاين بمضايقات واعتداءات جنسية ، كان ذلك له بالغ الأثر في اثارة ضجة اعلامية كبيرة.
بعدما علم وينشتاين بتلك التهم المقدمة بحقه ، نفى كل تلك الاتهامات ، وأقر بانه لم يقيم أى علاقة جنسية بالاكراة ، وبعد مرور فترة من تصاعد لهيب الاتهامات ، أدت الى الاطاحة بوينشتاين من شركته الخاصة ، بالاضافة الى طرده من أكاديمية فنون السينما والعلوم وغيرها من الجمعيات المهنية.
وووضع هارفي وينشتاين محل اتهام ، لاجراء تحقيقات جنائية في الدعاوى القضائية ضده ، والتى تقدمت بها ست نساء في لوس أنجلوس ونيويورك ولندن ، وباعتبار وينشتاين شخصية مؤثرة في مجال صناعة السينما الأمريكية فقد أدت التداعيات الدولية لهذه القضية التي تم الترويج لها بشكل كبير ، في جميع أنحاء العالم إلى العديد من المظاهرات النسوية والتعبئة الاجتماعية الضخمة على شبكات التواصل الاجتماعي ، كما أن القضية كان لها تبعات أخرى ، فلقد قادت عددا مخمليا من النساء الى تبادل تجاربهن الخاصة بالاعتداء الجنسي أو التحرش أو الاغتصاب على وسائل التواصل الاجتماعي ، وتم تفعيل هشتاج أنا أيضا ، حتى أن الأمر تفاقم ، وأصبح يطلق على أى رجل نافذ في مختلف الصناعات مسمى تأثير وينشتاين .
ما هو مسمى تأثير وينشتاين Weinstein effect :-
والمقصود بهذا المسمى ، هو التوجه العالمى لاتهام الرجال المشهورين بسوء السلوك الجنسي ، فلقد كانت قضية التحرش المتهم بها وينشتاين ، والاداعاءات التى كانت تعج قاعات المحاكم بها ، بمثابة نقطة تحول ، كما أنها ساهمت في محاسبة قوميّة ضد التحرُّش الجنسيّ بشكل عام.
ولقد نتج عن ذلك نشوء سيل من الاتهامات عصفت بالكثيرين من الرجال من مراكز السُلطة في الولايات المتحدة ، وأنهت عمل آخرين من السياسيّين حول العالم ، كما أدت تلك الادعاءات ايضا الى طرد العديد من الممثلين والمُخرجين من الوسط الفنيّ.
بداية نهاية هارفي وينشتاين :-
في أواخر عام 2017 ، تقدمت عشرات النساء باتهام منتج الأفلام الأمريكي هارفي وينشتاين بالاغتصاب والاعتداء الجنسي على مدى ما يزيد عن الثلاثون عاما ، واتهمت أكثر من 80 امرأة في صناعة السينما وينشتاين بذلك ، وبالطبع كان لذلك تأثيره على وينشتاين كما ذكرنا سابقا ، أوُجريت التحقيقات الجنائية في الشكاوى التى قدمت ، وتوجهت شرطة نيويورك للبحث وجمع الادلة ، ووضعوا نصب أعينهم تجهيز مذكرة اعتقال بحق وينشتاين ، الذي يقول ممثلون عنه إنه يتلقى علاجا نفسيا خارج نيويورك.
كما أن التقارير الصحفية دفعت بعشرات من المعلومات السرية في جعبة شرطة نيويورك ولندن حول اعتداءات جنسية أخرى قام بها المنتج الأمريكي ، كما أن الشرطة كانت تصرح بان القضية مر عليها من الوقت سنوات طويلة ، فلذلك كان لابد من جمع الادلة اولا ، ويعد إعلان الشرطة الذي يشير إلى اقتراب توجيه اتهامات جنائية ضد وينشتاين ، تصعيدا كبير من قبل قوات إنفاذ القانون ضد المنتج الأمريكي الذي يخضع للتحقيق بالفعل ، ومن ثم تم القاء القبض على وينشتاين في نيويورك ، بتهمة الاغتصاب وغيرها من الجرائم ، ثم أُفرج عنه بكفالة .
ولقد أثارت تلك الفضيحة العديد من المزاعم المماثلة ضد رجال أقوياء في جميع أنحاء العالم ، وأدت إلى الإطاحة بالعديد منهم من مواقعهم.
وجاءت التقارير التى أصدرت بقيادة الممثلة الايطالية آسيا أرجنتو ، تحمل قائمة لأكثر من 100 حالة مزعومة من الاعتداء الجنسي من قبل وينشتاين ، فلقد اوردت تلك التقارير أن وينشتاين يدعو تلك الممثلات أو الموديلات الشابات ، بحجة مناقشة حياتهن المهنية ، ويعدهن بتقديم المساعدة المهنية مقابل خدمات جنسية ، فلقد كان هذا اسلوب وينشتاين الذي اتبعه على مدى ثلاثون عاما .
وتشمل القائمة المقدمة أسماء نساء مثل ، الممثلة امبر اندرسون ، والممثلة والمخرجة آسيا ارجينتو ، وغيرهم الكثير ، ومن بين النساء التى اتهمن وينشتاين بالاغتصاب ، ليسيت أنتوني ، وغيرها العديد من النساء الاخريات .
ولقد اتخذت تلك القضية منحنى اهتمام كبير ، لمعرفة كيف ستتصرف هيئة المحلفين حيالها ، خاصة في ظل غياب أدلة يستخدمها الطب الشرعي ، ولمعرفة ما إذا كانت ستعتبر شهادات النساء كافية لإدانة شخص بارتكاب جرائم جنسية.
ولقد تم فصل وينشتاين من أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة ، والتى كانت قد أعلنت في بيان ، إنها أجرت التصويت على فصل وينشتاين قائلة ، ليس فقط للنأي بأنفسنا عن شخص لا يستحق احترام زملائه ، وإنما لبعث رسالة أيضا مفادها أن عهد الجهل المتعمد والتواطؤ المخجل بشأن سلوك الافتراس الجنسي والتحرش بمكان العمل في صناعتنا قد ولّى ، ويعني فصل وينشتاين أنه لن يعود بمقدوره الإدلاء بصوته في ترشيح الأعمال لنيل جوائز الأوسكار أو منحها.
المحاكمة :-
وعند مثول وينشتاين أمام المحكمة ، ظهر وهو البالغ من العمر 67 عاما ، على كرسي متحرك أثناء المحاكمة في نيويورك ، وطالب محاموه من المحكمة بالرأفة في الحكم عليه لأن أقصر عقوبة سجن ستكون كأنها المؤبد بالنسبة له ، الا ان الإدعاء طالب بإنزال أقصى عقوبة على وينشتاين ، والذي عُرف إعلاميا بلقب متحرش هوليوود ، معللا ذلك بسبب اعتدائه المتواصل على النساء ، طوال مشواره المهني.
وتحدث وينشتاين لأول مرة أمام المحكمة في عام 2020، وصرح قائلا ، أنه يشعر بالندم العميق ، وأُدين وينشتاين في عدة جرائم ، وتمت تبرئته في أخرى ، وقضت المحكمة الامريكية ، وفقا لادلة متعددة تم الكشف عنها ، بسجن المنتج السينمائي ، هارفي وينشتاين ، 23 عاما ، بعد إدانته بالاغتصاب والاعتداء الجنسي.
من خلال فضيحة هارفي وينشتاين ، يمكننا ان نخلص الى أن السلوك السيء يمكنه ان يمحى التاريخ العظيم ككل ، فها هو هارفي وينشتاين ، يعتبر مكن عمالقة صناعة السينما الامريكية ، ينتهى به المطاف بين القضبان سجينا في جرائم مشينة ، لوثت سمعته ، ولا يمكننا اعتبار ما فعله وينشتاين خط أ أً ، بالرغم من أننا في كثير من الاحيان تقودنا أقدامنا الى ارتكاب الاخطاء ، الا ان هناك فرق كبير بين الخطأ والخطيئة ، والفرق بينهما كبير لو تعلم ، فلو وضعنا أمام ناظرينا ، ألا تذل بنا أقدامنا الى الخطيئة ، لربما نجون من وطأة الاحداث العصيبة التى من الممكن أن تصيبنا.