فضيحة هيلموت كول

لدى اليوم فضيحة سياسية جديدة بصدد سياسي ألمانى عظيم ، ويعد صاحب أطول فترة في منصب المستشارية الألمانية ، كما أنه ترك إرثا ضخما تكلله النجاح في توحيد شطري ألمانيا وأحد مؤسسي وحدة أوروبا الحالية ، وهو المستشار الألمانى السابق  هيلموت كول.

ويتميز هيلموت كول بأنه يتحلى بصمود مذهل وعزيمة مدهشة وإرادة فولاذية في السلطة ورصيد ديمقراطي في الانتخابات ، وما يدل على ذلك انتخابه أربع مرات مستشارا لألمانيا ، ويعتبر ذلك خير دليل على  مقدرة فذة في الحياة السياسية ، كما أنه يعتبر السياسي الذي تحدى التردد والمخاوف والتحفظات في الداخل والخارج ، وسعى جاهدا إلى الوحدة الألمانية .

الا أنه وبالرغم من ذلك لا يخلو تاريخه من الفضايح ، والاعمال الخارجة عن القانون والتى نالت من سمعته ، ولربما كانت السبب في عدم فوزه في الانتخابات لعام 1998 ، ولمعرفة أكثر عن هيلموت كول أبقو معنا .

هلموت كول المستشار السابق لألمانيا الغربية  ، وكان رئيسا لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي ، وكان هناك ما يميز المستشار الالمانى هلموت كول عن غيره من مستشاري ألمانيا ، فلقد كان أول سياسي يتولى السلطة نتيجة حجب الثقة عن حكومة سلفه المستشار هلموت شميدت الاشتراكي الديمقراطي ،  كما أنه ظل في الحكم أطول مدة قضاها مستشار في ألمانيا ، فامتدت فترة حكمه من عام  1982 إلى 1998 ، وشهدت في تلك الفترة ألمانيا والعالم وأوروبا أحداثا غير عادية .

ومن بين تلك الاحداث الوحدة الألمانية ، حتى أنه يسمى مستشار الوحدة أو أبو الوحدة ، كما عمل هيلموت كول مع عدد من القيادات الأوروبية على إلغاء الحدود الداخلية بين كثير من بلدان الاتحاد الأوروبي ضمن اتفاقية شينغن.

ولقد ساعد كول منصب الاستشارية  الذي كسبه من دون عناء ، لأن الحزب الاشتراكي الحاكم يومها كان يواجه مشكلات صعبة لذا فقد ثقة البرلمان ، وحصل على نسبة كبيرة من أصوات البرلمانيين ، وكان ذلك بفضل لحزب الليبرالي الذي شكل معه الحكومة تلو الأخرى.

ومنذ أن كان كول تلميذًا ، انخرط في الحياة السياسية وذلك بعدما انضم الى الحزب المسيحى الديمقراطى ، ومن ثم انتُخب في دائرته لودفيكسهافن نائبا لرئيس فرع الحزب بعدها تسلق السلم الحزبي بسرعة إلى أن أصبح رئيس الحزب في إقليم راين فالس مما جعله يصل إلى المراكز الحساسة فتسلم رئاسة حكومة الولاية ثم توجه إلى بون العاصمة يومها لمواجهة تحد كبير وهو الوصول إلى المستشارية.

وتمكن كول من تثبيت قدمه في العاصمة الصغيرة بون وفي الحزب ، وكان هيلموت يتمتع بخطة سياسية مميزة ، حيث تخلى عن الترشح للمستشارية في عام 1980 ، وكانت تلك الخطوة ذكية جدا واتخذها لكي يوصد الأبواب في وجه شتراوس خصمه الشرس للترشح ، كما انه أيضا كان على يقين ان  شتراوس لن يحصل على الأغلبية في الاتحاد الوطني المشكل من الحزبين المسيحي الديمقراطي والمسيحي البافاري للترشح للمستشارية ، وأدخل في حساباته أن شتراوس بعد خسارته سوف ينشغل كرئيس لحكومة ولاية بافاريا بالأمور الداخلية فلا يعد يشكل له عنصر إزعاج أو مضايقة وبالتالي ينزع من رأسه تماما مسألة الترشح للمستشارية مستقبلا ، عندها لن يكون أمام الاتحاد الوطني المسيحي إلا شخص واحد هو هلموت كول ، وهذا ما حدث بالفعل.

وبعد انتخاب كول مستشارا ، كان أول ما أمر به هو التشديد على مسألة سحب الثقة من أية حكومة عند اقترافها أخطاء لا تغتفر وانتخاب مجلس نواب جديد ، فهذه خطوة تثبت الديمقراطية ، وكان حلم كول أن تكون هناك أوروبا من دون حواجز ، لذا وضع نصب عينيه سرعة إدخال اتفاقية شينغن حيز التطبيق والحلم الآخر كان النقد الأوروبي الموحد اليورو ، ومع ذلك كان هدفه الرئيسي توحيد الألمانيتين وإزالة جدار برلين.

فضائح هيلموت كول :-

وبالرغم من النجاحات الكبيرة التى حققها كول في مسيرته ، الا أن صفحته لا تخلو من البقع السوداء ، خاصة فيما يخص الفضائح المالية ، وظهرت أول فضيحة لكول  قبل تسلمه السلطة ، والتى تورط فيها كثير من كبار السياسيين ، وكانت عبارة عن تبرعات بمبالغ مختلفة قدمها اتحاد شركات فليك الألمانية إلى كول ومعظم الأحزاب الألمانية ، ومن ثم باع هذا الاتحاد أسهما يملكها في شركة دايملر بقيمة 1.9 مليار مارك ألماني إلى المصرف الألماني دويتشه بنك وتقدم بطلب إعفاء من دفع الضرائب على هذه المبالغ وتصل إلى 970 مليون مارك ، وحصل كول في ذلك على 50 ألف مارك ، وكان في ذلك الوقت رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي ، وتوجه الادعاء العام الى التحقيق في هذا الأمر ، ولم تخلص تلك التحقيقات الى شيء سوى فضيحة لمن قبض الرشاوى.

الفضيحة الثانية لهيلموت كول :-

وجاءت الفضيحة الثانية لهيلموت كول ،  أثناء فترة حكمه كمستشار ، وكانت تلك الفضيحة هى الاكثر تعقيدا ، وتتضمن تلك الفضيحة الأوسع صيتاً للمستشار الألمانى السابق هيلموت كول ، والتى حدثت بين عامى  1993 و1998 ، وتشير الى حصوله من جهة مجهولة على مبلغ 2.1 مليون مارك نقدا ، وقام بوضعهم في صندوق الحزب ، ولم يعرف الادعاء العام بشان تلك التبرعات الغير قانونية  عام 1999 أي بعد خسارة كول في الانتخابات.

وعندما تم توجيه السؤال الى كول عن مصدر تلك التبرعات ، رفض التصريح عن مصدرها ، فحكم عليه بدفع غرامة قدرها 300 ألف مارك وليس بالسجن لعدم توفر أدلة تدينه مباشرة ،  وكان الأمر قاصرًا على الشك فقط بإساءة استخدامه السلطة كما نزع منه لقب الرئيس الفخري لحزبه المسيحي الديمقراطي ، وظل هيلموت كول يحمل سر هوية المتبرع ، ولم يبوح به ، واخذ كول ذلك السر معه الى القبر.

مهاجمة كول للأتراك :-

ولقد جاء هيلموت كول بقرار ، أثار ضده الأتراك ، حيث أنه قرر تخفيض عدد الاتراك الى النصف ، وكشف عن هذه المعلومات بروتوكول سري احتفظت به لندن وأفرجت عنه بعد 30 عاما ، وبعدما تسلم كول المستشارية بأربع أسابيع  توجه الى لندن والتقى رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر ، وتحدث معها عن مشاكل اندماج الأجانب، وأبلغها بأن برنامج حكومته ينص على إعادة نصف الأتراك إلى بلادهم ، وأشار البروتوكول السري الى ان كول كان ينوى تنفيذ هذا المخطط في غضون أربعة أعوام ، لكن ظل ذلك سريا ، فلم يكن كول يستطيع التصريح بذلك علانية .

وكان كول ينوى تخفيض عدد الاتراك مبررا ذلك بأن ألمانيا لا تستطيع استيعاب هذا العدد من الأتراك ، كما ان ألمانيا ليس لديها مشكلات مع الأجانب من البرتغاليين أو الإيطاليين وحتى مع الآتين من جنوب شرقي آسيا ، حيث أنهم تمكنوا من الإندماج في المجتمع الألمانى بشكل جيد ، لكن الوضع مختلف بالنسبة للأتراك حيث أنهم أتوا من حضارة وثقافة مختلفة جدا عن ثقافة الألمان ،  وأعطى كول أمثالا على صعوبة اندماج الأتراك منها الزواج الإجباري والعمل بالأسود ، لكن عُرف فيما بعد أن حكومة الاشتراكي هلموت شميدت كانت تريد أيضا إقرار مثل هذا القانون لكنها فشلت بسبب معارضة القاعدة الحزبية.

وكانت خطة كول والتى بدأ العمل بها في عام 1983 ، تسفير كل تركى عاطل عن العمل ، والذين كانت أعدادهم كثيرة في ذلك الوقت ، الا انه كان يقوم بتقديم تعويض لهؤلاء يصل إلى 10500 مارك ألماني واسترجاع كل ما قاموا بدفعه لصندوق الشيخوخة بلإضافة إلى 1500 مارك لكل ولد من أولاده ،  وتمنى وزير العمل نوربرت بلوم يومها تسفير كل الأجانب العاطلين عن العمل ، لكن لم تتوفر أموال كافية في ميزانية الدولة لصرف كل هذه التعويضات ، ورغم تمديد هذا العرض لمدة عام فإنه لم يحقق نجاحا لأن القليل جدًا من الأتراك كانوا يرغبون في العودة.

وتمكن هيلموت كول من تحقيق الوحدة الالمانية ، وأصبح مستشارا للوحدة الالمانية بلا منازع بعد انتخابه مستشارا للمرة الثالثة حيث أصابت منافسه الاشتراكي أوسكار لافونتين خسارة كبيرة ، الا أنه لم يمض وقت طويل حتى بدأت انعكاسات سرعة إتمام الوحدة ، فبعد إغلاق مئات المصانع والشركات والهجرة التي تمت من الأقاليم الشرقية إلى الغربية طلبا للعمل الأفضل والرفاهية ارتفع عدد العاطلين عن العمل من 2.6 مليون إلى 3.6 مليون ، ثم الى 4.4 مليون ، وانتخب بعد ذلك  مرة رابعة وأخيرة ،  إلى أن خسر حزبه الانتخابات عام 1998 ليأتي الاشتراكيون مرة أخرى إلى الحكم.

اعتراف هيلموت  كول بأخطائه في برنامج الوحدة :-

ولقد اعترف كول بأنه اقترف أخطاء فيما يتعلق ببرنامج الوحدة وسرعة إنجازها ، حيث أشار الى أنه تعمد التقليل من شأن  أمور كثيرة مهمة ، ومن تلك الاخطاء التى أشار اليها ، أنه أعاد توحيد شعبا  عاش نحو نصف قرن منقسما بين الشرق والغرب وفي بيئة مختلفة تماما ، فيقول أن الدمج كان يحتاج إلى جيل أو أكثر من أجل تخطي الصعوبات ، وقال هيلموت كول أنه لم يجد حالة مشابهة فى العالم يمكنه الرجوع اليها والاستفادة او التعلم منها .

علاقة هيلموت كول بسكرتيرته :-

وفي فصل أخر من حياة هيلموت كول والشائعات التى دارت حول اسمه ، نجد  يوليانا   فيبير سكرتيرة كول التى بدأت العمل معه في عام 1963 وظل معه نحو ستة عشر عاما ، وكانت ترافقه مثل ظله ، حتى أن البعض تساءل عن الدور الذي تلعبه أيضا في حياته الخاصة.

وكان هيلموت كول على علاقة بسكرتيرته ، الا أن الصحف الصفراء لم تكن تجرؤ على  كتابة بعض الأسطر عن تلك العلاقة ، او حتى تذكر اسمها ، خوفا من عقاب المستشار كول ، جعل وسائل الإعلام خالية من أي خبر له مضمون عنهما ،  لكنها عندما ظهرت مع كول في عرس ابنه بيتر في إسطنبول يبدو أن الصحافة سمحت لنفسها بطرح السؤال عن سبب غياب الزوجة ووجود السكرتيرة.

ومن هنا ظهر أول خبر خاص عن عائلة كول بأن زوجته مصابة بحساسية من الضوء وهو مرض غريب يدمر الحياة ، وبسببه لا تستطيع تحمل الضوء مما جعلها تعيش في ظلمة دائمة وتصاب بالانهيار ،  وبعد أشهر قليلة من ذلك أقدمت زوجة كول على إنهاء حياتها بتناول حبوب منومة عندها كثر الحديث عن أنها كانت تعاني من الوحدة الشديدة وأن العائلة وبالأخص زوجها كان منشغلا عنها ولا يراعي وضعها الصحي ، ويبدو أنها اختارت الطريق الأسهل ووضعت نهاية لعذابها بعد 42 عاما من الزواج.

من  خلال حياة المستشار الالمانى السابق هيلموت كول ، وسياسته ، يتأكد لنا ، أن الفضائح السياسية ، والسياسيين العُظام هم أيضا يقترفون الأخطاء ، ولا يسيرون دائما على درب الصواب ، فمهما كانت اصلاحاته ، ونجاحاته ، فمن المحتمل بنسبة كبيرة للغاية ، هذا وان ابتعدنا عن التعميم ، فلابد وأن تزل أقدامهم في خطأ ما.

وبالرغم من أن كول لم يثبت استفادته شخصياً من التبرعات السياسية التى حصل عليها ، إلا أنه كان يقود النظام المالي للحزب خارج حدود القانون ، من خلال عدة أفعال منها فتح حسابات مصرفية سرية وتأسيس جميعيات مدنية استطاعت لعب دور الوسيط أو وكالات مشتريات لتبرعات الحملات الانتخابية.ومع تضرر سمعته في ألمانيا خلال السنوات التي تلت الفضيحة المالية ، إلا أنها لم تتأثر دولياً حيث كان يُنظر إليه على أنه رجل دولة أوروبي كبير ويتم ذكر دوره في حل خمس قضايا كبيرة خلال توليه المستشارية ، والتى منها إعادة توحيد ألمانيا ، التكامل الأوروبي ، العلاقة مع روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و‌حرب البوسنة والهرسك.

Leave A Comment