فضائح  أوبر

سأسرد عليك عزيزى المشاهد رواية فضائح لشركة تلجأ لخدماتها بشكل شبه يومى ، او لربما تكون عزيزى المشاهد أحد العاملين بها ، وأنت لا تعلم شيئا عن تاريخها ، تلك الشركة التى نالت المزاعم السيئة من سمعتها منذ بداية نشأتها ، ذلك نتيجة السياسات التى كانت تتبناها ، تلك الشركة هى شركة أوبر لخدمات التنقل ، وسنعرف معاً ، تاريخ الشركة ، وما هى السياسات التى تبنتها والتى كانت سبب الاحتجاجات التى تأججت ضدها ، والنهج الذي سارت عليه بعد ذلك .

التعريف بأوبر :-

شركة اوبر هى عبارة عن شركة تكنلوجية أمريكية متعددة الجنسيات ، ومقرها في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا ، وقامت تلك الشركة على تطوير أسواق تعمل على تطبيق أوبر على الهواتف المحمولة ، وذلك يتيح للعملاء طلب سائق مع سيارته بغرض التنقل ، ويستخدم السائقون أيضا نفس التطبيق ، من أجل الاستفادة منه ، حييث أن أوبر تقوم بخصم  رسوما لاستخدام التطبيق من السائقين على كل رحلة.

وشركة أوبر بالرغم من أنها شركة عالمية ، ويشيع استخدامها على نطاق واسع في مختلف أنحاء العالم ، الا أن الفضائح لم تتركها ، ونالت منها كما نالت من كثير غيرها .

ولقد انطلقت شرارة الفضائح التى نالت من شركة أوبر ، عقب تقرير نشرته  صحيفة لوموند الفرنسية المستقلة ، يشير الى صفقة سرية  بين الرئيس إيمانويل ماكرون وشركة أوبر الأميركية العملاقة المتخصصة بنقل الأشخاص ، ويُعوَل هذا التقرير على آلاف المستندات الداخلية للمجموعة الأميركية ، والتى اطلعت عليها الصحيفة الفرنسية مع أربعين وسيلة إعلامية أخرى مندرجة في إطار الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.

وفى هذا التقرير تسرد صحيفة لوموند فيض من التفاصيل حول اللقاءات والاتصالات التي أجراها كبار مسؤولي أوبر ، مع إيمانويل ماكرون شخصياً عندما كان وزيراً للاقتصاد في حكومة الرئيس الاشتراكي السابق فرنسوا هولند بين عامي 2014 و2016 ومع فريق عمله الوزاري.

ولقد عُقدت الكثير من تلك الاجتماعات في مكتب ماكرون في المجمع الحكومي الاقتصادي المسمى «بيرسي» ، وكان الغرض من تلك الاجتماعات ، والتواصل المستمر بين ماكرون وأوبر ، هو أن ماكرون قام بتقديم المساعدة لأوبر من أجل تعزيز موقفها في السوق الفرنسية ، مع الاشارة الى أن  أوبر في بداية دخول كبار مسؤوليها الى فرنسا ، كانت تسعى للعثور على الوسائل من أجل الالتفاف على القوانين الفرنسية التي تُوصف بتشددها.

وفى الوقت الذى دخلت فيه أوبر الى الى فرنسا ، كان الوقت الذي اندلعت فيه ثورة احتجاجات سائقي سيارات الأجرة ، حيث أنهم وجدا في اوبر منافسا غير شرعيا لهم ، كما أن الحركة الاجتماعية في المدن الكبرى اختنقت بالسير ، بالاضافة الى المظاهرات المتنقلة.

وكان من بين العوامل التى أججت الاحتجاج ، وكانت المأخذ الرئيسي على أوبر ، هو أن القانون لا يفرض القيود نفسها التي يفرضها على سائقي سيارات الأجرة بل كان يفسح المجال لأي شخص كان يريد أن يتحول إلى سائق سيارة سياحية من دون حاجة الى الحصول على إذن رسمي من وزارة النقل ومن دون تأهيل.

اذا هل اختفت تلك الوثائق التى كشفت عنها  صحيفة لوموند بعد ذلك ؟

في الواقع تناقلت تلك الوثائق المسربة بين البلدان ، والتى تتضمن أكثر من 124 ألف وثيقة ، من بينها 83 ألف رسالة بريد إلكتروني وألف ملف آخر تتضمن محادثات ، تمتد من عام 2013 إلى 2017.

وتكشف تلك الوثائق عن الطرق التي استخدمتها الشركة  لتصبح من أهم شركات خدمات النقل في العالم ، وكيف انها استطاعت فرض نفسها للعمل في المدن حول العالم ، حتى لو كان ذلك على حساب القوانين وأنظمة سيارات الأجرة.

فلقد قوضت الشركة أسواق سيارات الأجرة ، وفرضت ضغوطا على الحكومات لإعادة صياغة القوانين للمساعدة في تمهيد الطريق لنموذج اقتصاد قائم على التطبيقات ، والذي انتشر منذ ذلك الحين في جميع أنحاء العالم.

ولمواجهة رد الفعل العنيف ، والاحتجاجات التى تأججت ضد الشركة وتغيير قوانين سيارات الأجرة والعمل ، قامت أوبر بتخصيص 90 مليون دولار لتمويل أنشطة الضغط والعلاقات العامة ، من أجل اخماد الثورة العنيفة التى تأججت ضدها ، وهذا ما كشفته احدى الوثائق أيضا.

وتوضح أيضا تلك الوثائق ، كيف حاولت أوبر الحصول على الدعم ، عن طريق التودد لرؤساء الوزراء والرؤساء والمليارديرات وأثرياء وبارونات الإعلام.

كما تشير الوثائق إلى ازدراء مسؤولي الشركة للمسؤولين الذين عارضوا توسعها ، مثل الألماني أولاف شولتس ، عندما كان عمدة لهامبورج قبل أن يصبح مستشارا لألمانيا ، فعندما أصر على ضرورة دفع حد أدنى للأجور للسائقين ، وصفه مسؤول تنفيذي في أوبر بأنه ممثل كوميدي حقيقي.

الفوضى التى نشرتها أوبر :-

وعندما بدأت أوبر توسع نشاطها في الهند ، حث المسؤولون المديرين على التركيز على دفع عجلة النمو ، حتى وإن بدأت الحرائق في الاشتعال ، حيث ان جزءا من سياسة اوبر  ، هو احتضان الفوضى ، ولقد ظهر ذلك جليا عندما أدت محاولات أوبر لقلب الأسواق في أوروبا إلى احتجاجات غاضبة من قبل سائقي سيارات الأجرة في بلجيكا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا.

ففي وسط إضرابات سيارات الأجرة وأعمال الشغب في باريس ، أمر كالانيك من داخل أوبر المديرين التنفيذيين الفرنسيين بالانتقام من خلال تشجيع سائقي أوبر على تنظيم احتجاج مضاد وعصيان مدني جماعي.

كما انه عمل على تقليل مخاوف المديرين التنفيذيين من ان إرسال سائقي أوبر إلى احتجاج في فرنسا يعرضهم لخطر العنف ، مشيرا الى أن الأمر يستحق ذلك..وأكد على أن  العنف يضمن النجاح ، وهؤلاء الرجال يجب أن يقاوموا ، بنفس السلاح ، وهو الاحتجاج المضاد.

كما ان اوبر تتبنى سياسة أخرى ، تتضمن الاستفادة من الأحداث السيئة ، فعندما كانت أوبر تواجه معارضة من قبل الحكومات ، فإنها كانت تستغلها لصالحها ، وظهر ذلك عندما تعرض سائقو الشركة للعنف في أمستردام في عام  2015 ، سعى موظفو أوبر إلى تشجيع الضحايا على تقديم بلاغات في الشرطة ، وتحويل الأزمة لصالحهم للفوز بتنازلات من الحكومة الهولندية.

وعندما بدأ هذا الامر في التداول ، وأصبح محلا للسجال ، أعلن المتحدث باسم كالانيك إنه لم يقترح أبدا أن تستغل أوبر العنف على حساب سلامة السائقين. وأي تلميح بأنه متورط في مثل هذا النشاط سيكون خاطئا تماما.

فضيحة التواطؤ مع جوجل

فضيحة التواطؤ مع جوجل :-

وفى فضيحة اخرى تلاحق أوبر ، لكنها تأتى تلك المره على شكل اتهام مزدوج ، حيث قامت وزارة العدل الامريكية ، بتقديم لائحة اتهام جنائية ضد أنتوني ليفاندوفسكي المهندس السابق في شركة جوجل ، تضم عشرات التهم بسرقة معلومات مهمة ، فلقد كشف المدعى العام عن ان تلك الللائحة تضم 33 تهمة سرقة ومحاولة سرقة أسرار تجارية من جوجل ، وبيعها الى شركة أوبر ، وذلك في سباق محموم بين الشركتين للفوز بأكبر نصيب من سوق السيارات ذاتية القيادة.

 وتشير لائحة الاتهام الى أن ليفاندوفسكي ، قام بحمل الآلاف من الملفات السرية التي تضمنت معلومات هندسية مهمة حول الأجهزة المستخدمة في المركبات ذاتية القيادة ، ونقل الملفات إلى جهاز الكمبيوتر المحمول الشخصي ، وكان ذلك قبل ان يغادر جوجل بعدة اشهر .

فقامت وايمو والتى كانت تمتلك مشروع جوجل للقيادة الذاتية ، برفع دعوى قضائية ضد أوبر ، وزعمت أن رسومات مجسات ثلاثية الأبعاد لمشروع سيارة ذاتية القيادة لـ أوبر ، لديها تشابه لافت للنظر مع التصميمات الخاصة بها ، وأشارت في الدعوى أن ليفاندوفسكي بذل جهودا غير عادية لاختراق خادم تصميم وايمو ثم إخفاء أنشطته ، وسرقة أكثر من 14 ألف ملف سري.

فاضطرت اوبر الى الجنوح الى السلم ، حيث ان سمعتها بدأت تضمحل ، فتم عقد تسوية بين الطرفين ، وافقت فيها أوبر على دفع نحو 245 مليون دولار لـ”وايمو“.

فضيحة اغتصاب في الهند تهز سمعة أوبر :-

وفى فضيحة اخرى تلحق  بشركة اوبر ، بالرغم من أنها تعبر عن سلوك فردى الا أنه قد نتج عن ذلك ، وضع اسم أوبر في جملة مفيدة .

ففي عام 2014 ، أقدم سائق أوبر على اغتصاب شيف كومار ياداف ، وهي امرأة من دلهي تبلغ من العمر 26 عاما ، وحكم على ياداف بالسجن مدى الحياة.

وخرجت أوبر تشير الى هذا الفعل على انه مشين ، وقالت إن الاعتداء الجنسي جريمة مروعة ، وأعربت عن أن القبض وعقوبة السائق كان أمرا لازما ، وحتميا ، كما أكدت أوبر على أنها قامت بتحسين أجراءاتها الامنية ، وأنها تعلمت من هذا الدرس .

الا انه وعلى الرغم من ذلك ، تم حظر خدمة أوبر في دلهي  ، فلقد جاءت بعض المزاعم التى ظهرت خلف الكواليس ، وأفادت بأن مديرى أوبر شككوا فى صحة ادعاء المرأة ، فكانت تساورهم الشكوك في أن تكون شركة علا ، وهى منافس أوبر فى الهند ، وراء الحادث كجزء من محاولة تخريبية ، كما ان المرأة الى جانب القضية الجنائية ، قامت برفع دعوى ضد أوبر ، وقد تم تسويتها خارج المحكمة.

وشهدت الشركة سلسلة من القضايا المثيرة للجدل من بينها انتقادات حادة بسبب انتهاج أساليب عدوانية في التعامل مع الشركات ، كما انها تعرضت لانتقادات شديدة بسبب طريقة تعاملها مع النساء في مكان العمل .

وتصاعدت هذه الانتقادات بعد أن نشرت موظفة سابقة تُدعى سوزان فولر تعليقا لاذعا في تدوينة على الإنترنت تتحدث فيها عن عدد من الحوادث التي شهدتها خلال عملها بالشركة ،  فاضطرت الشركة الى اجراء التحقيقات بسبب المزاعم التى انتشرت حولها.

وفى وسط تلك المعمعة والاضطرابات ، استقال العديد من المديرين البارزين في أوبر ، من بينها الرئيس السابق للقسم الهندسي الذي لم يكشف عن شكاوى التحرش ، وكان هذا من بين قالت عنه فولر في مدونتها ، حيث قالت أنها بعد انضمامها إلى الشركة ، بفترة وجيزة بدأ مديرها الجديد يتحرش بها جنسيا ، وأوضحت أن الشركة تجاهلت شكواها بشأن التحرش.

ولقد قامت شركة بيركنز كوي للخدمات القانونية  ، بفحص 215 شكوى من بينها تحرش جنسي وتمييز وغيرها من الشكاوى المقدمة بشأن اوبر والعاملين بها ، وطال عدد كبير من بين موظفين أوبر البارزين قرار الاقالة .

وتم اختيار أوبر إيريك هولدر ، الذي كان وزيرا للعدل خلال حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ، للتحقيق في ثقافة العمل داخل الشركة  ، وجرى تسليم نتائج هذا التحقيق الى مجلس الادارة ، وعلى اثره شهدت أوبر بالفعل بعض التغييرات ، إذ أعلن عن منح امرأتين منصبين بارزين في الشركة.

رد أوبر المجمل على فضائحها :-

لقد قالت أوبر في بيان أصدرته عام 2022 مشيرة الى أن أخطاء الشركة منذ خمسة سنوات ، قد بلغت ذروتها في واحدة من أكثر المراجعات شهرة في تاريخ الشركات الأمريكية ، والتى أدت بدورها إلى قدر هائل من التدقيق وعدد من الدعاوى القضائية البارزة وتحقيقات حكومية متعددة ، وفصل العديد من كبار المسئولين التنفيذيين بالشركة ، وقالت أيضا أن تعيين أوبر للرئيس التنفيذي الجديد دارا خسروشاهي ، أحد الايجابيات التى نتجت عن تلك المراجعة ، والذي كان قد تم تكليفه بتطوير كل جانب من جوانب عمل أوبر.

وقالت أيضا أن أوبر أصبحت تختلف في هذا  الوقت عن ذى قبل ، وأنها قد أصبحت واحدة من أكبر منصات العمل في العالم وجزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية لأكثر من 100 مليون شخص ، وأشارت الى ان الشركة انتقلت الى عصر جديد يتسم بالتعاون بديلا عن عصر المواجهة ، الذي ضيق الخناق على الجميع ، وأضافت أوبر أيضا أنها تعمل على ايجاد أرضية مشتركة مع المعارضين السابقين ، والذين من بينهم النقابات العمالية وشركات سيارات الأجرة ، وقالت الشركة انها اصبحت أكثر تنظيما في من 10 آلاف مدينة حول العالم ، وتعمل على جميع المستويات الحكومية لتحسين حياة أولئك الذين يستخدمون منصة أوبر ، في المدن التى تنتشر بها خدماتها.

واستطردت أوبر أيضا في البيان ، مشيرة الى أنها عمدت الى الاستثمار بكثافة في مجال السلامة ، حيث أنها قامت بتطوير العديد من التقنيات التى أصبحت بعد ذلك معيارا صناعيا ، كما قامت الشركة أيضا بنشر مقال يوضح أخطر حوادث السلامة ، وأكدت على انها تعمل جاهدة على تلافى تلك الحوادث ،  كما أضافت أن جزء من مخططها الذي تعمل عليه أن تصبح منصة تنقل خالية من الانبعاثات بحلول عام 2040 ، وأنها  قامت بإنفاق واستثمار نحو 800 مليون دولار لمساعدة السائقين على التحول إلى المركبات الكهربائية ، وتدشين مشروعها للسيارات الخالية من الانبعاثات ، وأكدت أيضا على أنها تحافظ على المساواة في الأجور بين الجنسين وكذلك بين الأعراق المختلفة.

وكان ختام هذا البيان الذي أكدت فيه الشركة أنها لن تقدم أعذار على سلوك سابق ، لا يتماشي مع القيم الحالية للشركة ، مشيرة بوضوح الى تلك الفضائح التى نالت من سمعتها في السبق ، منذ عام 2017 ، كما طالبت العملاء والجمهور أن يعيد الحكم عليها ، فقط من خلال ما فعلته في الخمس سنوات التى تلّت عام 2017 ، ومن خلال ما ستفعله في المستقبل ، وأن تترك أخطاء الماضى جانبا ، وشددت على أن ذلك لن يتكرر ، حيث أنه في السابق كان هناك تهاون في الابلاغ عن الاخطاء.

نخلص من فضائح أوبر تلك الى انها استفادت من اخطاءها ، وعملت على تطوير أداءها ، حيث أدركت أن استمرارية الشركة في وسط هذا الوسط المُلطخ به اسمها من المحال ، فهذا ما جعلها تكثف جهودها في السنوات الماضية ، وتجرى الاصلاحات والتغييرات في الكيان المتشعب في أنحاء مختلفة من العالم .

المصادر :-

Leave A Comment