مجاعة الصين الكبرى
في كارثة أنّت لها القارة الآسيوية وجعاً ، كارثة حقيقية ، وكانت آثارها جسيمة ، ولازال أثرها ملموسا بين الشعب حتى الآن ، تلك الكارثة أو الفضيحة التى تسبب بها زعيم الشعب الصينى ، بسبب قر اراته المتهورة والغير مدروسة ، واستخدامه سياسة الحديد والنار جعلت السياسييون يخشون منه ، ويخفون عليه حقيقه ما يتعرض له الشعب ، وتلك الكارثة التى نتحدث عنها اليوم ، هى مجاعة الصين الكبري ، وسنعرف سويا كيف حدثت تلك المجاعة ، وكيف أثرت على الشعب ، وكيف تخلصت منها جمهورية الصين الشعبية بعد عناء مرير.
ما هى مجاعة الصين الكبري :-
مجاعة الصين الكبرى هي فترة في تاريخ جمهورية الصين الشعبية حدث فيها مجاعة كبيرة ، وكانت بداية تللك المجاعة عام 1959 واستمرت لمدة ثلاث سنوات ، وتعتبر هذه المجاعة واحدةً من أشد الكوارث التي تسبب بها الإنسان على مر التاريخ ، و تعتبر أيضا من أسوأ المجاعات في التاريخ البشرى وليس الصيني فقط.
لقد كانت تلك المجاعة كارثة انسانية جُوّع فيها عشرات الملايين من البشر حتى لقوا حتفهم على اثر ذلك ، وكل ذلك في ظل نظام ذهب الى حد إلقاء اللوم على العصافير .
أسباب المجاعة :-
وتأتى أسباب المجاعة الصينية الكبرى في مجموعة من العوامل ، ومن بينها أن الزعيم الصيني ماو تسي تونج ، وهو أول زعيم لجمهورية الصين الشعبية ، حيث أراد تحويل الصين الفلاحية الى قوة عظمى عالمية ، وعلى غرار ذلك احتاجت الصين الى زيادة انتاجها الغذائي ، وتصنيع الصلب ، وكان ذلك جزء من خطة ماو تسي تونج لتسريع تنمية الصين ، والتى كانت تسمى القفزة العظيمة للامام .
الا ان تلك المبادرة انتهت بفشل كبير ، حتى وصفت بأنها كارثة باهظة الثمن ، حيث تسببت في المجاعة الصينية الكبرى ، وتقلص الاقتصاد الصيني ، وليس من الحقيقى ان السبب في المجاعة كان الجفاف والفيضانات في المناطق الزراعية ، بل كان ذلك جنبا الى جنب ، الاسباب الحقيقية لحدوث المجاعة ، والتى كانت تتمثل في مجموعة من السياسات والتغييرات الجذرية في اللوائح الزراعية التي فرضتها الحكومة ، والضغط الاجتماعي ، وسوء الإدارة الاقتصادية.
وكانت من بين تلك السياسات الكارثية ضعف توزيع الاغذية ، فلقد كانت مستودعات الحبوب الضخمة ، تحتوى على ما يكفى من الطعام لإطعام البلاد بأكملها ، وبالرغم من ذلك لم يقوم المسؤولون بتوزيع الحبوب قط ، وفى شينيانغ كان الناس يموتون عند أبواب مستودعات الحبوب.
كما أن أمر الحكومة بإبادة طيور الدورى كان له أثاره السلبية على البلاد بالطبع ، فلقد اعتبر ماو تسي تونج أن كل طائر من هذه الطيور يأكل أربعة ونصف كيلو وجرام من الحبوب سنويا ، وقال أن هذه الطيور بمثابة عقبة كبيرة تقف أمام تقدم الاقتصاد في الصين ، فلذلك أمر بإبادتهم والتخلص منهم ، فتم قتل أعداد هائلة من طيور الدوري بشكل وحشي ، حيث دفع ماو المواطنين لقتل هذه الطيور وملاحقتها ومنعها من الهبوط أو بناء أعشاش لها ، وذلك عن طريق إخافتها وترويعها باستخدام نوع ما من الطبول سبب لها الإجهاد الشديد ، وكان المواطنين يطلقون الرصاص عليها في السماء وعلى الأشجار حتى انقرضت تقريبا في الصين ، وكان كل شخص يقوم بقتل أعداد كبيرة يحصل على مكافآت مالية ويتم معاملته معاملة الأبطال.
فنتج عن ذلك انفجار الحشرات ، مثل الجراد والحشرات الاخرى ، حيث انتشرت بشكل مخيف ، فلقد كانت طيور الدورى تتغذى على تلك الحشرات ، فبالتالى مع موتها انتشر هذا الجراد بهذه الأعداد الكبيرة ، ومع انتشاره قام بأكل كل شيء في طريقه ، وقضى على كل المحاصيل الزراعية ودمرها ، كما تكاثرت بصورة مفرطة ، وأتت على المحاصيل الزراعية ، وقضت عليها.
ويمكن ان نشير أيضا الى قيام الحكومة بتصدير الحبوب للحصول على المزيد من العملات الأجنبية ، حيث أن جمهورية الصين الشعبية كانت بحاجة لتلك العملات ، من أجل شراء مواد للتصنيع ، بالاضافة الى سداد الديون الى الاتحاد السوفيتى.
ومن بين التداعيات الكارثية للمجاعة أن الصينيون استمعوا الى المهندس الزراعى تروفيم ليسينكو ، وهو مهندس غير كفء ، فلقد روج الى مناهج كارثية لزيادة غلة المحاصيل ، وكانت احدى نظرياته ، الزراعة القريبة التى اعتبرت الكثافة العالية للشتلات جيدة ، على اعتبار أن نفس النوع لن يتنافس مع بعضه البعض ، وكان هذا خاطئا تماما وأدى الى انخفاض غلة المحاصيل .
كما أن الحكومة أجبرت المزارعين على التحول الى صناعة الصلب ، فلقد أمرت الحكومة الفلاحين بالتوقف عن زراعة حقولهم ، والاتجاه الى تصنيع الحديد والصلب ، وكانت جودة الحديد المنتج منخفضة للغاية ، لدرجة أنها كانت عديمة الفائدة ، وبالرغم من ذلك فلقد أدى هذا الانصراف عن زراعة الحقول ، الى انخفاض انتاج الغذاء.
ومن أسباب الكارثة أيضا أن المسؤولون قاموا بالابلاغ عن كميات من الحبوب ، أعلى مما كانت عليه في الواقع ، حيث أنهم أدلوا بأرقاما أرادت الحكومة أن تسمعها ، ولكنها غير حقيقية ، وذلك بسبب الضغط من القيادة العليا للبلاد لتحقيق النجاح ، لكن في الحقيقة ، كان الإنتاج الفعلي يتناقص في جميع أنحاء الصين.
وأسفرت هذه الأحداث عن ظهور ما عرف بوهم الوفرة الفائقة ، إذ اعتقد الحزب أن لديهم كميات زائدة من الحبوب. لكن الواقع كان عكس ذلك ، حيث كان إنتاج المحاصيل أقل من المتوسط ، و كانت التأثيرات الناجمة عن وهم الوفرة الهائلة كبيرة ، ما دفع بعض المؤرخين إلى الزعم أنه كان السبب الرئيسي وراء الكثير من المجاعات في مختلف أنحاء الصين.
حيث أدى هذا الوهم الى قيام المخططين بتغيير محاصيل الأراضي من الحبوب الغذائية إلى المحاصيل الاقتصادية التجارية، مثل القطن وقصب السكر ، كما دفع أعداد كبيرة من العمال الزراعيين إلى العمل في قطاعات صناعية.
أكل لحوم البشر :-
ما سمعنا عنه في الاساطير ليس بخيال ، لكنه حقيقا للغاية ، فكل مجاعة هائلة تؤدى الى أكل لحوم البشر ، ففي بداية الأزمة تؤكل جثث الموتى ، ثم يليها قتل الضعفاء وأكلهم ، وهذا ما حدث تماما خلال المجاعة الصينية الكبري ، حيث حدث اكل لحوم البشر خلال المجاعة الصينية الكبري على نطاق غير مسبوق في التاريخ.
حيث أنهم بدأوا بأكل الشتلات من الحقول ، والأسماك من الانهار ، واللحاء من الاشجار ، والكلاب والقطط من الشوارع ، ومن ثم تحول الصينيون الجائعون الى لحم بشري ، حيث أكل الآباء أطفالهم ، وأكل الأطفال والديهم ، وكان الفلاحون الصينيون يموتون من الجوع ، فمثلا في مقاطعة سيتشوان وحدها ، والتى تبلغ مساحتها مساحة اسبانيا تقريببا ، مات نصف سكانها.
ولم يقوم الناس بالابلاغ عن وفاة أفراد أسرهم ، حتى يكونوا قادرين من خلال ذلك توفير طعامهم ، فلقد أكلوا جثث أقاربهم المتوفيين ، وكان الامر بالغ السوء لدرجة أن الناس كانوا يتشاجرون على الجثث ، ولم يتوقفوا عند هذا الحد ، حيث أن الجوع أجبر الناس على قتل أهلهم من أجل أن يأكلوهم ، كما كان الفلاحين الجائعين ، يقوموا بقتل المسافرين ويأكلونهم .
استجابة الحكومة للمجاعة :-
وما يجعل الأمر مقززا بصورة أكبر ، أن السياسيون المحليون في معظم المقاطعات الصينية ، لم يعترفوا بمعاناة شعبهم ، فلقد كانوا فقط قلقين بشان تلبية حصص الحبوب ، وقاموا بوضع نظريات المؤامرة ، وقالوا أن الفلاحين تظاهروا بالجوع لتخريب انتاج الحبوب الصينية .
فقاموا بتعذيب الفلاحين ، وقتلهم ، أو حتى دفنهم أحياء ، كل ذلك من اجل أن يبلغوا عن حصص حصاد واقعية ، وكانوا حينما يقبضون على شخصا يقوم بسرقة الطعام يعاملونه بمنتهى القسوة والوحشية ، حتى الأطفال لم يسلموا من ذلك ، فلقد غرق صبي عمره 12 عام في بركة بسبب سرقة الطعام ، وتم اجبار أب على ان يقوم بدفن ابنه حيا ، بعد أن تم القبض عليه وهو يقوم بسرقة الحبوب ، وتم اتهام أم جائعة بسرقة الطعام ، فما كان منها الا ان ربطت أطفالها على ظهرها ، ومن ثم قفزت بهما في النهر ، وغرقوا جميعاا.
كيف انتهت المجاعة الصينية الكبري :-
وبعد ثلاث سنوات من تلك الكارثة التى قضت على ملايين الافراد من الشعب ، وبحلول عام 1961 ، بات من الواضح للحكومة أن السياسات التى اتبعتها غير مجدية ، فلجأت الى مناهج أخرى أكثر عقلانية ، ومنها استيراد الحبوب ، حتى تتمكن من القضاء على تلك المجاعة وانهاءها ، بالاضافة الى انتقاد قرارات ماو تسي تونج ، وعزله من صنع القرارات .
وبدأت الصين على مهل في الانفتاح ، والتعلم من بقية العالم ، ومثالا على ذلك طلب الصينيون من الامريكيين بناء ثلاثة عشر مصنعا للاسمدة النيتروجينية الاكبر والأكثر حداثة ، كما قاموا برفع جميع الحصص الغذائية في المدن ، وقاموا بإنشاء سوقا حرة ، وتم السماح لكل أسرة أن تقوم بالعناية بإنتاجها الغذائي .
نتائج المجاعة :-
وتتراوح أعداد ضحايا المجاعة الصينية الكبري بين ال15 وال 55 مليون ضحية ، وذلك بناء على اختلاف الراوى للكارثة ، وبغض النظر عن العدد الدقيق للوفيات ، فهناك شيئا شديد الوضوح ، وهو أن ملايين الافراد ماتو بسبب سياسات غير واقعية .
ويبدو ذلك جليا أكثر في الوقت الراهن ، فعلى الرغم من أن الصين تملك 10 % فقط من الاراضي الصالحة للزراعة الا انها تنتج ربع انتاج الحبوب العالمى ، حتى أن الصين تُعد ثانى أكبر منتج للقمح ، وهذا ما يؤكد على أن الخطا كان نابعا من السياسات القمعية ، والمناهج الغير سديدة.
من خلال ذلك يمكننا أن نققول بمليء أفواهنا ، ان أولئك الحكام الذين ينظرون لآراءهم وقراراتهم بعين الصواب دائما ، لابد وأن يخطأوا يوما ، لعّل وعسي أن يفيد ذلك في ألا تتكرر تلك الاخطاء مرة أخرى ، وألا تواجه الشعوب ذلك المصير المأساوى مرة اخرى ، فالحاكم مهما كان رشيدا ورأيه سديد عليه ان يعلم أن رويته للأمور لن تكون شاملة لكل الأبعاد ، فلذلك عليه أن يضع في الاعتبار آراء الشعوب وآراء من حوله .