فضيحة كريدى سويس

من بين الفضايح المالية الكبري التى حدثت في الفترات الاخيرة ، والتى لها أُسسا من الأزمات السابقة ، الأمر الذي يتسبب غالبًا في تفاقم الازمة ، حيث أن كثرة السقطات ، تُطيح بصاحبها في لحظة ما ، ولربما كانت أقل زلة من بينهما .

ولقد جاء بنك كريدى سويس بسقطات متتالية ، كادت أن تعصف بمسارة وتاريخه الكبير في عالم الاستثمار ، وادارة الأموال ، فلقد انتشرت الفضائح التى نالت من سمعة البنك على مدار عدد من السنوات ، كالنار في الهشيم ، حتى أن محاولات الاصلاح والهيكلة نتج عنها أموراً سيئة ، وقد عصفت تلك الفضائح بالركائز المالية للبنك ، الذي يحاول جاهدا في كسب ثقة عملاءه ومستثمريه ، فسنتعرف معا على تلك الأزمات المتشعبة التى واجهها كريدى سويس.

ويعتبر بنك كريدى سويس ، أكبر بنك في سويسرا ، يتعدى عمره ال 166 عاما ، يترنح من أزمة محرجة إلى أخرى أشد منها ، ولقد كانت أول أزمة يتورط فيها البنك هى  أزمة التجسس على الشركات التي تورط فيها كبار المديرين التنفيذيين بالبنك ، ثم انهيار العميل الصيني له المتمثل بشركة “لوكين كوفي” (Luckin Coffee) ، أما الأزمة الكبري والتى كانت بمثابة كارثة فهى أزمة  تورط “كريدي سويس” مع المجموعة المالية المنكوبة “غرينسيل” (Greensill Capital) ، والخسائر التى نتجت عنها و التي تقدر بمليارات الدولارات جراء انهيار أحد عملائها التجاريين “أركيغوس”.

ولم يتوقف الامر عند هذا الحد حيث أضاف هورتا-أوسوريو للبنك السويسري بنداً جديداً إلى قائمة الأزمات هذه ، حيث استقال بعد اتهامه باختراق قواعد الحجر الصحي لفيروس كورونا والسفر عدة مرات إلى الخارج ، بما في ذلك سفره إلى لندن لمشاهدة بطولة ويمبلدون للتنس.

ولقد واجه  بنك “كريدي سويس” السويسري أزمة نتجت عن كمية ضخمة من البيانات المسربة التي تسلط الضوء على ثروات مخفية للعديد من العملاء ، وسربت البيانات الخاصة  بأكثر من 18000 حساب مصرفي، تشمل أكثر من 100 مليار دولار ، إلى صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية.

ولقد تضمنت تلك البيانات حسابات شخصية ومشتركة وحسابات شركات ، وكذلك حسابات فتحت منذ أربعينيات القرن الماضي ، وانطلاقا من ذلك قامت عشرات المؤسسات الاعلامية بالتقصي عن البيانات التى تحملها تلك الحسابات ، وما نتج عنه أنها وجدت أدلة على استخدام حسابات البنك من قبل عملاء متورطين في جرائم خطيرة ، مثل غسيل الأموال أو الاتجار بالمخدرات.

لكن البنك رفض تلك المزاعم ، واعترض على تلك التلميحات بشأن الممارسات المزعومة للبنك ، وأشار الى تلك الأمور قائلا أنها تعود الى أربعينيات القرن الماضي ، وتستند إلى معلومات جزئية أو غير دقيقة أو انتقائية مقتطعة من سياقها ، كما أشار البنك إلى أن امتلاك حساب سويسري أمرًا غير قانوني ، كما ورد أن التسريب احتوى على بيانات عملاء لم يرتكبوا أي خطأ.

كما أكد بنك كريدى سويس أن ما يقرب من 90 في المئة من الحسابات التي تمت مراجعتها مغلقة حاليا ، أو كانت في طور الإغلاق قبل استلام الاستفسارات الصحفية ، وإن أكثر من 60 في المئة منها تم إغلاقها قبل عام 2015 ، على الرغم من أنه لم يعلق على عملاء محددين مذكورين ، كما أكد على أنه على دراية تامة بمسؤوليته تجاه العملاء والنظام المالي ككل ، لضمان الالتزام بأعلى معايير السلوك .

وأشار البنك السويسرى كريدى سويس إلى أن هذه المزاعم الإعلامية تبدو وكأنها جهد متضافر ، لتشوية سمعة البنك الى جانب تشوية السوق المالية السويسرية ككل ، والتي شهدت تغيرات كبيرة على مدى السنوات العديدة الماضية.

ولقد نشرت صحيفة ألمانية بخصوص ذلك ، واشارت الى أن قوانين السرية المصرفية السويسرية غير أخلاقية ، ذريعة حماية الخصوصية المالية هي مجرد ورقة توت تغطي الدور المخزي للبنوك السويسرية ، كمتعاونين مع المتهربين من الضرائب ، حتى ان التسريب والابلاغ عن المخالفات لربما يكون ناتجا عن تآمر مجموعة من الافراد لهدف ما ، كما أكدوا على أن امتلاك حساب مصرفي سويسري  من جانب أشخاص من خارج سويسرا لا يعني بالضرورة ارتكاب تهرب ضريبي أو أي جريمة مالية أخرى.

فضيحة الفساد المتعلقة بجمع تمويلات في موزمبيق :-

ولقد أقرت شركة تابعة لمجموعة “كريدي سويس” بدورها في فضيحة الفساد المالي المتعلقة بجمع تمويلات في موزمبيق ، والتي دفعت البلاد للدخول في أزمة اقتصادية
، وسميت بقضية سندات التونة ، والتى وافق فيها بنك كريدى سويس على دفع ما يصل الى 475 مليون دولار بشكل غرامات ، فرضتها عليه السلطات الامريكية والبريطانية ، من أجل تسوية التهم الجنائية الناشئة عن تحقيق رشوة خارجية بأكثر من مليارى دولار من الصفقات التى كان من المفترض أن تقوم بجمع الاموال لصيد التونة في موزمبيق ، وبدلا من ذلك فان أ:ثر من 200 مليون دولار من تلك الأموال تم تحويلها لدفع رشاوى وعمولات لاثراء المسؤولين الأجانب والمصرفيين السابقين في بنك كريدى سويس.

ولقد أفاد محامي البنك أثناء جلسة استماع في بروكلين ، إنَّ البنك الذي يتخذ من زيورخ مقراً له ، قد وافق على توقيع اتفاقية تأجيل الملاحقة القضائية مقابل اعتراف شركته بالاتهامات الموجهة إليها بالتآمر والاحتيال.

ولقد تم الافصاح من خلال بعد المصادر عن اتفاق “كريدي سويس” على دفع 400 مليون دولار على الأقل لتسوية القضية مع السلطات ، ورفض متحدِّث باسم البنك التعليق على الأمر.

وتتضمن لائحة الاتهامات الصادرة من وزراة العدل الأمريكية بأنَّ عقود التمويل تمثِّل واجهة لتحقيق مسؤولين حكوميين ومصرفيين الثراء لأنفسهم ، كما أن هناك ثلاثة مصرفيين سابقين في كريدى سويس قد اعترفوا بالاتهامات الأمريكية المتعلقة بذلك المخطط.

وتلك الاتفاقية التى عقدها كريدي سويس تساعده على تجاوز واحدة من سلسلة الفضائح التي يتعرَّض لها مؤخراً ، وذلك بعدما تم إجبار البنك على تجميد 10 مليارات دولار من أموال شركة تمويل سلسلة التوريد “غرينسل كابيتال” ، الى جانب تكبُّده خسائر بقيمة 5.5 مليار دولار.

اعادة هيكلة البنك ، ورئاسه أنطونيو هورتا أوسوريو :-   

وعقب كل هذا الكم من الفضائح والأزمات ،  قام البنك السويسري بإعادة هيكلة إدارته ، كما تعهد أنطونيو هورتا أوسوريو رئيس مجلس إدارة البنك الجديد بالانتهاء من كل الإشكالات المتعلقة بإدارة المخاطر لدى البنك ، وقضي أوسوريو عدة أشهر في مناقشة الخيارات الاستراتيجية وسط توقُّعات بعرضه لاستراتيجية طويلة الأجل.

ولقد جاءت استقالة المدير التنفيذي لبنك “كريدي سويس” السويسري بعد ثبوت تورطه في التجسس على مدير سابق فيه انضم لبنك “يو بي إس” المنافس ، ولقد كان مدير العمليات المستقيل ، ويُدعى بيير-أوليفر بويي ، قد تورط في استئجار خدمات محققين لتعقب إقبال خان، رئيس إدارة الثروات السابق في البنك ، الا أنه لا توجد إشارة على أن رئيس مجلس إدارة البنك السابق أوسوريو ، تيدجاني ثيام ، كان على علم بواقعة التجسس ، وإن كان على خلاف مع خان ، وكشفت التحقيقات أن بويي اتخذ قرار مراقبة خان منفرداً.

وكانت بداية الخلاف بين ثيام وخان ، على الرغم من أن ثيام هو من أشاد بخان ومنحه الترقية ، لكن ثمة تقارير حول نشوب نزاع بينهما ، اشتد بعد شراء خان لمنزل قرب بحيرة زيوريخ واستمرار أعمال التحديث فيه لمدة عامين ، والذي تصادف أنه بالقرب من منزل مديره ثيام.

وحدث الصدام بين خان وصديقه ثيام بعد ذلك أثناء حفل أقامه ثيام في منزله ، بشأن أشجار مزروعة في حدود منزل ثيام ، وأعلن خان استقالته من البنك بعد هذه الواقعة بفترة قصيرة.

ولقد طفت أنباء الفضيحة في البلاد ، خصوصا بعد انتشار تقارير بأن البنك استأجر شركة التجسس الخاصة “إنفيستيغو” لتعقب خان ، خوفا من أن يكون قد سرق عملاء البنك عند انتقاله إلى بنك “يو بي إس”.

تساؤلات حول هوية من أمر بمراقبة خان :-

ولقد أججت تلك الواقعة التساؤلات داخل بنك كريدى سويس حول هوية من أمر بمراقبة خان ومن كان على علم بها ، ومن ثم ازدادت تلك التساؤلات بعد انتحار الموظف الذي تعاقد مع شركة التجسس الخاصة نيابة عن البنك ، ونتيجة لذلك ، استعان البنك بمكتب محاماة للتحقق من تسلسل المسؤولية والوقوف على مدى التزام خان بشروط التعاقد.

وأفاد “كريدي سويس” إن العلاقة الشخصية بين ثيام وخان ليست محل تحقيق ، كما ذكر البنك في بيان له  إن شركة المحاماة لم تعثر على أي دليل يثبت موافقة رئيس مجلس الإدارة على مراقبة إقبال خان ، او حتى علمه بها ، وذلك بعد أن كان توقف بالفعل ، وأشار في هذا البيان أيضا الى أن قرار مراقبة خان كان خاطئا وغير لائق ، وتسبب بضرر كبير لسمعة البنك ، وأكدت شركة المحاماة أيضا على أنه لا يوجد دليل على محاولة خان جذب عملاء أو موظفي بنك “كريدي سويس” بعد رحيله.

ولم تكن قضية التجسس على اقبال  خان ، وإفلاس شركة الخدمات المالية غرينسيل فقط القضايا التى ارتبطت بالبنك ، أو الفضائح التى أدت الى تشوية سمعته ، فلقد جاءت قضية الاتحاد الدولى لكرة القدم ( الفيفا ) كاحدى الأزمات التى واجهت البنك ، حيث اتُهم بنك كريدى سويس بمشاكل في الوفاء بالتزامات العناية الواجبة لمكافحة غسيل الأموال ، فيما يتعلق بالفساد المشتبة به المرتبط بالاتحاد الدولة لكرة القدم والتى مقرها سويسرا ، كما أن أحد مدراء العلاقات العامة مع العملاء ، قام بخرق لوائح الامتثال الخاصة بالبنك بشكل متكرر وعلى مدار عدد من السنوات  ، وأُدين على ذلك جنائيا ، الا أن البنك على الرغم من ذلك لم يعمل على تأديبه ، كما انه استمر في مكافأة سلوكه.

لتسوية الفضيحة كريدي سويس يتنازل عن الرسوم والعمولات :-

 وجاءت خطط بنك الاستثمار كريدي سويس لتسوية الفضيحة ، تتضمن التنازل عن عدد من الرسوم الخاصة بالعملاء الذين استثمروا في صناديق تمويل سلسلة التوريد المرتبطة بفضيحة غرينسيل Greensill ، ولا يزال العديد منهم ينتظرون استرداد أموالهم.

حيث ان المخطط يشتمل على أن المقرض السويسري سيقوم برد رسوم الوساطة ورسوم الاستشارات الاستثمارية والخدمات المصرفية ، بدءاً من عملاء البنك السويسريين ، فلقد قام البنك بالتواصل مع عملائه من أجل استكشاف التدابير الممكنة التي من شأنها تحسين أوضاعهم.

وصرح البنك قائلا  أنه اتخذ ملاحظات العملاء على محمل الجد ووضعها في الحسبان ، ولا يزال المستثمرون في مجموعة الصناديق التي تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار ، والتي اشترت سندات صادرة عن شركة غرينسيل كابيتال Greensill Capital ، ينتظرون سداد أكثر من 3 مليارات دولار ، بعد سبعة أشهر من دخول المقرض المتخصص غرينسيل إلى إدارة التعثر.

ولقد صرح كريدى سويس ، أنه سيتحمل أكبر قدر ممكن من التكاليف القانونية والاستشارية لاسترداد الأموال النقدية للمستثمرين ، حيث يحاول البنك استرداد 2.7 مليار دولار من مدفوعات القروض المتأخرة ، معظمها من المقترضين المتسببين في مشاكل كاتيرا ، وشركة جي إف جي ألاينس المحدودة التابعة لسانجيف جوبتا ، وبلوستون ريسورسز إنك.

كما وقعت GFG مؤخراً صفقة إعادة هيكلة مع كريدي سويس لإحدى وحداتها الفولاذية الأسترالية التي تتضمن دفعة مقدمة ، وعرضت بلوستون 300 مليون دولار ونصف قيمة أعمالها لسداد القروض التي انتهى بها المطاف في صناديق تمويل سلسلة التوريد.

ولقد ساهم البنك المركزى السويسري فى انقاذ  بنك كريدي سويس المحاصر ، حيث امده بمبلغ قيمته 54 مليار دولار ، لدعم السيولة بعد تراجع أسهمه وسنداته ، مما زاد المخاوف بشأن أزمة مصرفية عالمية على الرغم من أن المحللين قالوا إنهم يعتقدون أن هذا قد لا يكون كافيا.

ولقد جاءت تراجعات الاسهم نتيجة سلسلة الفضائح التى اندلعت على مدى سنوات ، تغييرات في الإدارة العليا ، وخسائر بمليارات الدولارات ، ولقد جاءت عمليات البيع في أسهم كريدى سويس عقب الخسائر التى نتجت عن انهيار صندوق الاستثمار “أركيغوس كابيتال” ، و”غرينسيل كابيتال”.

ومن ثم قام أنطونيو هورتا أوسوريو من منصب رئيس مجلس الإدارة لخرقه قواعد “كوفيد-19” ، وكان ذلك بعد 8 أشهر فقط من تعيينه لإصلاح البنك المتعثر.

ولقد بنك كريدى سويس أن العملاء قد سحبوا 110 مليارات فرنك سويسري ، أى ما يعادل 119 مليار دولار من الأموال ، فتكبد البنك أكبر خسارة سنوية له منذ الأزمة المالية بلغت 7.29 مليار فرنك سويسري ، كما استعان البنك بالمستثمرين عبر بيع أسهم بقيمة 4 مليارات فرنك سويسري.

الخطوات التي يمكن اتخاذها لتهدئة المستثمرين :-

وصرح بنك كريدى سويس ، إنه سيقترض ما يصل إلى 54 مليار دولار لدعم السيولة وثقة المستثمرين ، لكن بعض المحللين يعتقدون أنه من غير المرجح أن يكون ذلك كافياً لتهدئة المستثمرين.

ويعتبر كسب دعم المستثمرين الاستراتيجيين أحد الخيارات لتعزيز ثقة السوق ، حيث أن هيكل ملكية البنك يضم جهاز قطر للاستثمار القطري ومجموعة العليان السعودية.

ويعتبر المأزق الذي يقع فيه بنك  كريدى سويس بمثابة أزمة وكارثة عالمية ، حيث أن البنك يعد من أكبر مديري الثروات في العالم ، وهو واحد من 30 بنكاً عالمياً مهماً على مستوى النظام ، والتي قد يتسبب فشلها في حدوث تموجات في النظام المالي بأكمله.

ويمتلك كريدي سويس بنكاً سويسرياً محلياً وشركة إدارة الثروات والخدمات المصرفية الاستثمارية وعمليات إدارة الأصول ، كما أن لديه ما يزيد قليلاً عن 50000 موظف و1.3 تريليون فرنك سويسري في الأصول الخاضعة للإدارة وذلك بانخفاض قليل عن العام الذي سبق هذا التصريح ، ولديه أكثر من 150 مكتباً في حوالي 50 دولة ، كما أن كريدي سويس يُعد البنك الخاص لعدد كبير من رواد الأعمال والأثرياء والشركات.

Leave A Comment