فضايح نيكولا ساركوزي
ألا تأتى عزيزى المشاهد لِأصطحبك معى في جولة فرنسية من طراز خاص ، تلك الدولة التى تمردت على الفساد والظلم ، وأنهت الملكية ، وأصبحت الجمهورية المتفردة بنظام حكم الأول من نوعه في المنطقة ، ومن ثم نقلت أفكارها الى أوروبا كافة ، هل خيل إليك أن تلك الثياب المنمقة ، والخطابات اللامعة يقبع وراءها وجه أخر ، غارق في الفساد ، حتى النخاع.
ألا أبُثك سِراً عزيزى المشاهد ؟ عندما يتعلق الامر بالسياسة ، عليك أن تطلق العنان لخيالك ، فهناك عالم آخر كل شيء فيه مباح ، وعملاً بمبدأ الميكافيلية التي يعشقها السياسيون ، أن الغاية تبرر الوسيلة ، حتى ولو كانت تلك الغاية سيئة ، ووسيلة الحصول عليها أسوأ ، ألا أزيدك من الشعر بيتًا ؟ السياسة تمتطى فرسًا أدهم ، فرسًا جامحًا يعدو غير عابئا بما يطمثه تحت قدميه ، من دون سرج ولا لجام ، والآن لنبدأ رحلتنا مع نيكولا ساركوزى.
نيكولا ساركوزى هو أول رئيس فرنسي لا يفوز بفترة رئاسية ثانية منذ عام 1981 ، فماذا فعل ساركوزى ليجعل شعبيته على المحك ؟
قضية بيغماليون :-
تبدأ فضايح ساركوزى منذ حملته الانتخابية الرئاسية الاولى في عام 2007 ، ولكن بدأت رائحتها تفوح في عام 2012 ، حيث داهمت الشرطة الفرنسية مكاتب ساركوزي كجزء من تحقيق يزعُم بأنه كان ضالعا في تمويل لحملته الانتخابية الرئاسية بشكل غير قانوني من ليليان بيتنكور وريثة شركة مستحضرات التجميل العالمية لوريال ومثُل في قصر العدل ببوردو للإدلاء بإفادته حول القضية وقد تم تبرئته منها ، والسؤال هنا هل كانت سيرة ساركوزى مُلطخة قبل ان يمتطى كرسي الرئاسة ؟ أم أن لعنة كرسي الرئاسة قد نالت منه ؟
في واقع الأمر لم يسبق لرئيس فرنسي منذ انطلاقة الجمهورية الخامسة على يد الجنرال شارل ديغول ، أن عرف هذا الكم من الفضايح التى عرفها الرئيس اليمينى الاسبق نيكولا ساركوزى.
وكانت أولى أزمات ساركوزى هى قضية بيغماليون ، وتنطوى تلك القضية على اشتباه من القضاء الفرنسي في شرعية الاموال التى مول بها ساركوزى حملته الانتخابية ، وأن ساركوزى قد لجأ لشركة بيغماليون والتى كانت قد نظمت بعضا من تجمعاته الانتخابية ، وكانت هذه الشركة قد وضعت نظام فواتير مزورة بنفقات تبلغ حوالي 18.5 ملايين يورو ، على حساب حزب “الاتحاد من اجل حركة شعبية” ، والذي عُرف لاحقا بالجمهوريين ، بدلا من أن تدخل في حسابات حملة ساركوزي ، وكان ذلك بهدف إخفاء تجاوز السقف القانوني لنفقات حملات الانتخابات الرئاسية المحدد بـ22.5 مليون يورو.
وكان عدد من المسؤولين في شركة بغماليون ، وكذلك عدد من المسؤولين السابقين في الاتحاد من أجل حركة شعبية ، اعترف جميعهم بالتزوير ، لكن لم يتطرق احدا منهم لاتهام ساركوزى بأنه كان على درايه بذلك الامر ، أو انه كان قد اتخذ أى قرار بشأنه ، وهو ما اكد عليه الرئيس السابق نيكولا ساركوزى وأنه لم يكن على دراية باى شيء يخص تلك الحسابات المزورة.
ولقد جاءت قضية “بغماليون” تلك في وضع حرج بالنسبة لساركوزى حيث أنه كان ياحرك في طريق العودة الى السلطة ، لكنه فشل في فرض نفسه كالمرشح الرئيسي لحزب الجمهوريين “آلان جوبيه” ، الذي استطاع أن ينال تصويتا رائعًا ، وجاء ساركوزى في استطلاعات الرأى وراء خصمه داخل الحزب وبفارق كبير.
كما شهدت فضيحة التمويل الانتخابي تلك تطورات خطيرة ، حيث تم مؤخرا توسيع التحقيق فيها ، وأظهر التحقيق أن الرئيس السابق طلب إجراء مزيد من التجمعات الانتخابية ، وتم تنفيذ تلك التعليمات التى ألقى بها ساركوزى للأفراد العاملين بالحملة ، الا أن مدير حملته غيوم لامبير قد أطلعه على مذكرة من المحاسب المختص تشير إلى احتمال تجاوز السقف وتحظر أي إنفاق إضافي ، وهذا ما أكده لامبير لأجهزة الشرطة.
لكن نيكولا ساركوزى قد أكد للمحققين في جلسة عام 2015 ، أنه لا يتذكر تلك التفاصيل ، كما كلل حديثه بالتقليل من أهمية التكلفة الاضافية لتلك اللقاءات والتجمعات ، وأشار مؤكدا إلى ان الجدل القائم بشان تلك المسألة عبارة عن مهزلة ، كما نسب مسؤولية الفواتير المزورة إلى شركة “بغماليون” والحزب الذي كان برئاسة جان فرنسوا كوبي في حينها.
وبعد ذلك عمد القضاة الى التحقيق الموسع في مبلغ 13.5 ملايين يورو إضافي أنفقه الحزب على الحملة الانتخابية ، وكان حينها قد تم التصريح عن ثلاثة منها فحسب ، وقام القضاة بتوجيه الاتهامات الى ثلاثة عشر مسؤولا سابقا في منظمة “الاتحاد من اجل حركة شعبية” ، و” بغماليون ” اتهامات رسمية تتضمن التزوير واستغلال الثقة والاحتيال والتمويل الانتخابي خلافا للقانون.
قضية التنصت :-
ولقد قضت محكمة فرنسية بسجن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي لمدة عام بسبب تمويل حملته الانتخابية بصورة غير قانونية ثم عين شركة علاقات عامة لإخفاء التكلفة ، ولكن الامر لم يقف عند هذا الحد ، فحياة ساركوزى الساسية مُلبدة سماؤها بالغيوم ، وها هي تهطُل أمطارا كقذائف اللهب تعصف بمكانته بعد أن قاد فرنسا في الفترة من 2007 إلى 2012 وظل يتمتع بنفوذ بين المحافظين على الرغم من مشاكله القانونية.
فلم تكن قضية “بغماليون” الادانة الأولى لساركوزى ، بل جاءت بغماليون بعد سبعة أشهر من إدانته بتهمة الفساد في قضية تنصت ، وأصبح بذلك نيكولا ساركوزى أول رئيس جمهورية يُحكم عليه بالحكم النافذ.
ولقد كانت تلك القضية المشار اليها بالتنصت الهاتفى ادانة لنيكولا ساركوزى بمحاولة رشوة قاضٍ وكان ذلك فى عام 2014 ، بعدما ترك ساركوزى منصبه بعامين ، واقترح عليه بانه سوف يضمن له وظيفة مرموقة في إمارة موناكو مقابل الحصول على معلومات قضائية حساسة بشأن ملف فساد آخر ، وذكرت وسائل إعلام فرنسية أن ساركوزي سُمع ، وهو يقول للسيد هيرزوغ “سأقوم بترقيته وسأساعده” ، حيث كانا يتناقشا بشأن القاضي أزيبرت ، وكان يستخدم ساركوزى الاسم المستعار “بول بيسموث” في تلك المكالمات الهاتفية التى تم التنصت عليها ، ونفي ساركوزي بالطبع ارتكاب أي مخالفة ، وأشار إلى أن القاضي أزيبرت لم يتسلم أي منصب في موناكو.
وحكم عليه في تلك القضية بالسجن لمدة ثلاث سنوات ، ومن بينهم عامان مع ايقاف التنفيذ.
وكان هاذين الحُكمين ما دفعا بساركوزى الى لعب دور محدود في الانتخابات الرئاسية بعد ذلك ، وقررت المحكمة بعد ذلك ان ساركوزى يمكنه تنفيذ العقوبة في منزله ، على أن يوضع تحت الإقامة الجبرية المراقبة إلكترونياً عبر سوار في الكاحل ، كما صدرت أحكام تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام من السجن بعضها مع وقف التنفيذ بحق 13 شخصاً آخرين ضالعين في هذه القضية.
قضية التمويل الليبي لحملة ساركوزى :-
ولكن الأزمات التى زج ساركوزى نفسه بها ، كشفت عن انه كان على موعد مع حكم جديد في قضية قديمة تتناول مصاريف حملته الانتخابية لعام 2012 ، وها هى دعوى أخرى موجهه لإدانة نيكولا ساركوزى لا تقل خطورتها عن اتهامات ساركوزى التى سبقتها ، وتتضمن تلك القضية حصوله على تمويل من نظام العقيد معمر القذافي من أجل حملته الرئاسية الأولى لعام 2007 التي أوصلته إلى رئاسة الجمهورية.
وظهرت بعض المعلومات والتقارير التى تفيد بأن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزى حصل على تمويل لحملته الانتخابية من الرئيس الليبي السابق مُعمر القذافي والذي يقدر بالملايين.
ولكن ساركوزى بالتأكيد يؤكد على نفي تلك الاتهامات ، ولا تزال الحقيقة المجردة في تلك القضية بالغة التعقيد ، والتى يعتقد البعض أنها ستظهر يوما ما ، وكثيرا ما يتم الربط بين الدور الذي لعبه الرئيس ساركوزي في عام 2011 في الدفع باتجاه التدخل العسكري الغربي في ليبيا وإسقاط نظام القذافي وبين ملف التمويل غير المشروع الذي يحرمه القانون الفرنسي.
اتهام ساركوزى بتشكيل عصابة اجرامية :-
وفى اطار التحقيق في شبهة حصول الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزى ، على تمويل ليبي لحملته الانتخابية أضيفت تهمة جديدة لرصيد التهم المنسوبة اليه ، والتى كان تغدق عليه من كل جانب ، فتم توجيه تهمة الى الرئيس الاسبق نيكولا ساركوزى تتعلق بتشكيل عصابة إجرامية ، حيث وجه القضاء تهمة “تشكيل عصابة إجرامية” إلى تييري غوبير أحد معاوني ساركوزي السابقين الذي يشتبه في أنه تقاضى أموالاً من النظام الليبي في عهد معمر القذافي قد تكون استخدمت لتمويل الحملة الانتخابية لمرشح اليمين في عام2007.
ورفضت محكمة الاستئناف في باريس غالبية الطعون التي تقدم بها الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزى ومقربون منه ضد التحقيق حول وجود شبهات بحصول تمويل ليبي لحملته الانتخابية ، وكانوا قد لجأوا إلى محكمة الاستئناف التي أكدت مشروعية التحقيق في هذا الملف المتشعب جداً ، ويمكن لفريق الدفاع عن ساركوزي والمقربين منه الطعن بالقرار أمام محكمة التمييز.
واكتفت المحكمة فقط بإلغاء مبرر واحد لتوجيه تهمة انتهاك قانون الانتخابات إلى نيكولا ساركوزي ، وكانت استئناف ساركوزى يشمل مسائل إجرائية وليس أساس الاتهامات .
اتهامه بتمويل حملته بأموال مختلسة ، وفساد أحد المقربين منه :-
ثم اتُهم ساركوزى بالفساد والتمويل غير القانوني لحملته الانتخابية، والاستفادة من أموال عامة مختلسة.
وكان آخر حلقات هذه الفضائح اتهام أحد المقرَّبين من نيكولا ساركوزى ، بـإساءة استخدام الأموال العامة ، ووجه في ذلك القضاة الفرنسيون تهما لبازير وكان ذلك أثناء التحقيق بمزاعم فساد تتعلَّق بحملة المرشَّح الرئاسي ورئيس الوزراء السابق إدوارد بالادور ، والذي خاض معركة شرسة بوجه جاك شيراك في انتخابات عام 1995.
ونفى بازير بدوره وجود أي صلة له بالقضية ، كما جاء على لسان محاميه جان-يفيس ليونارد ، حيث ورد عن ليونارد قوله إن موكَّله قد أكَّد خلال التحقيق معه “عدم وجود أي صلة له مطلقا بالقضية.
وقد تم الاشارة الى ان ساركوزى عمل متحدثا باسم بالادور ، لكن الرئاسة الفرنسية أصدرت بيانا قالت فيه إنه لم يمارس أدنى صلاحية أو سلطة بما يتعلَّق بتلك الحملة ، كما جاء في بيان الإليزيه ، أنه لم يُدِر ساركوزي حملة إدوارد بالادور ، كما أنه لم يمارس قط أية سلطة أو صلاحية تتعلَّق بتمويل تلك الحملة.
ثم اعتُقل الى جانب بازير حليف آخر مقرَّب من ساركوزي هو تييري غوبير ، والذي نفى بدوره وجود أي صلة له بالقضية ، ولكن ما أثار الجدل هو أن زوجة غوبير أفادت في شهادتها في القضية بأن زوجها رافق في سويسرا رجل الأعمال الفرنسي اللبناني زياد تقي الدين ، الذي كان وسيطا في عقود تسلُّح ، وذلك “لتلقِّي حقائب مليئة بالأوراق المالية .
وقالت إن بازير هو الذي تسلَّم الحقائب في فرنسا ، وذلك بصفته مديرا لحملة بالادور ، وتزامنت هذه التطورات مع الاستماع إلى شاهد في قضية فساد أخرى ، وهو الأفريقي من أصل لبناني روبير بورجي ، والذي عمل مستشارا لشيراك للشؤون الأفريقية ، والذي كان قد اتَّهم في وقت سابق شيراك ورئيس وزرائه ، دومينيك دوفيليبان ، بتلقِّي حوالي 20 مليون دولار من قادة وزعماء أفارقة بين عامي 1997 و2005.
لكن بورجى أكد على أنه لم يقدِّم شخصيا أموالا لساركوزي ، رغم أن شهادته تلك تتعارض مع أقوال مستشار أفريقي آخر ورد اسمه في كتاب الصحفي بيار بيان “جمهورية الحقائب”.
وتعقيبا على سلسلة الفضائح التي تحيط بساركوزي واليمين الفرنسي ، قال النائب الاشتراكي بيار موسكوفيسي: “ينبغي على رئيس الجمهورية ، الذي يدعو إلى جمهورية بلا شائبة ، أن يفسِّر كل هذه القضايا المتعلِّقة بوسطاء وعمولات وحقائب”.
وبعد كل تلك الاتهامات والفضائح التى أحاطت بنيكولا ساركوزى ، أصبح ساركوزى يزحف نحو انتخابات الرئاسة الفرنسية والتى كانت ستنعقد قي عام 2017 ، وهو مثقلًا بست فضائح ، أدخلته في تحقيقات مطوله ، وكان من المرجح لها أن تؤدى به الى السجن لمدة عشر سنوات ، الى جانب غرامة بقيمة 400 ألف إسترليني ، في حال إدانته بالفساد ومحاولة التلاعب بالتحقيق الجنائي.
ومن الاحداث التى سيدونها التاريخ ويرويها ، أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي عاش كملك ، على مدى خمس سنوات ، في قصر الإليزيه مع زوجته عارضة الأزياء كارلا بروني ، هو أول رئيس فرنسي منذ بداية الجمهورية الخامسة الفرنسية عام 1958 يحتجز في مركز للشرطة.
ولا يرجع ذلك الى أن رؤساء فرنسا السابقين منزهون عن الخطأ ، فلقد خضع عدد منهم للتحقيق ، لكن لم يعانِ أى منهم من إذلال الاعتقال في مركز الشرطة ، ولقد مثل اعتقال ساركوزى سقوطاً مذهلاً من النعمة لرجل يعشق السلطة ، ويُعرف بانفاقه للأموال ، كما ان ساركوزى بينما كان يحدث شعبه عن التقشف ، كان هو وزوجته يقسمان اوقاتهما بين قصر الإليزيه وثلاثة قصور فرنسية على عقارات فخمة خارج العاصمة ، بالاضافة الى قصر اخر للعطلات على الساحل الجنوبي ، وكانا كثيرا ما يتوجهان الى كوخ للصيد قرب البيرنيه بصحبة كتيبة حراس تحت تصرفهما ، وطاقم محلي متفرغ.
وما كان من نيكولا ساركوزى الا أن أشار الى ان القضاء قد تحول الى اداة سياسية ، واتهم المحققين بأنهم يريدون اذلاله بشكل متعمد ، كما أشار الى عدم قبوله بقضاة يساريين يخربون مسيرة عودته للسلطة ، وتم تشبيهه برئيس وزراء إيطاليا الأسبق سيلفيو برلسكوني ، حيث ان كلاهما يتقاسمان نفوراً مطلقاً من جانب فئة واحدة من المواطنين ، وهم القضاة.
حتى ان ساركوزى بعد مغادرته قصر الإليزيه ، حافظ على طراز من الحياة المرفهة تليق بالأثرياء في فرنسا ، حيث يقال ان زوجته كارلا ورثت أموالا من عائلتها الايطالية ، كما أن ساركوزى ربما يكون متورطا في صناديق استثمار مربحة.
وكانت التحقيقات في القضايا التي اتُهم فيها ساركوزى تشمل حتى رئيس الاستخبارات الفرنسي ، خصوصا التحقيقات التى تختص بقضية القذافي ، ومع تلك الفوضى والفضايح المالية داخل حزب ساركوزى «الاتحاد من أجل حركة شعبية» ، سيجد ساركوزي صعوبة في النهوض مجدداً ، وسيظل مستقبل الطاووس المتبختر غامضًا الى أن تنجلى الأمور.
وهل انتهت أعمال ساركوزى المخالفة للقانون ، وسيل الاتهامات الى هنا ؟
في حقيقة الأمر لم تتوقف الازمات التى تلاحق الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزى ، حيث اعتُقل ثيري هرتزوغ ، إلى جانب قاضيين ، بعد الاشتباه في زرع ساركوزي ومحاميه شبكة من المخبرين داخل محكمة النقض الفرنسية ، فضلا عن تقديم وعود للقاضي جيلبرت أزيبرت بوظيفة مرموقة في موناكو في مقابل معلومات يمكن أن تساعد دفاع ساركوزي في قضية وريثة شركة «لوريال» كما ذكرنا سابقا ، والتي بُرئ منها بعد ذلك .
ومما ينبغى الاشارة اليه أن عملية التنصت على هواتف ساركوزى ، أسفرت عن أن نيكولا ساركوزى قد تسلم مبلغ 50 مليون يورو من القذافي لحملته الانتخابية عام 2007 ، وقد أشار رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالز إلى وجود أدله دامغة ضد ساركوزي ، الذي كان يستخدم هاتفاً سرياً للتحدث إلى القاضي أزيبرت.
وإبان كل تلك التقارير والأدلة ، أصر ساركوزي دوماً على أنه بريء ، ليجيء بعد ذلك الرئيس السابق معمر القذافي بعد اعتقاله من قبل ميليشيات متمردة قائلا : قمنا بتمويل حملته الانتخابية ، ولدينا كل التفاصيل ، وعلى استعداد للكشف عن كل شيء ، أعد لنا أموالنا.
ومن اللافت والمثير للتساؤلات حتى اليوم ، أن ساركوزي ، رغم الكم الكبير من الفضائح ورغم كونه أول رئيس للجمهورية يحكم عليه بالسجن الفعلي ، بغض النظر عن انه تمكن من استبدال الحجر المنزلي وحمل سوار إلكتروني بالحبس ، لا زال يُنظر إليه على أنه الشخصية المؤثرة لا بل الحاسمة بالنسبة لليمين الفرنسي الكلاسيكي.
ويرى أعضاء حزب اليمين الموجود في المعارضة منذ عام 2012 وخلال عهدين رئاسيين تاليين ل فرنسوا هولاند وإيمانويل ماكرون ، أن ساركوزي يبقى المرجعية الرئيسية والشخصية الطاغية بسبب ما حققه في السابق ، و لقد أكد ساركوزى أكثر من مرة ، أنه ترك السياسة ، لكن الواقع شيء آخر ، بل حتى إن الكثيرين من أعضاء حكومة ماكرون من قدامى معاونيه.
فرئيس الحكومة جان كاستيكس كان مساعد أمين عام قصر الإليزيه في فترته الرئاسية ، ووزير الداخلية جيرالد دارمانان تلميذه السياسي وكان مديراً لحملته الانتخابية ، كما أن هناك وزراء آخرون كانوا قد برزوا الى الضوء في عهده ، كما أن هناك ما يشير الى ان ماكرون شخصيا لا يتردد في استشارة ساركوزى في بعض الامور والمسائل الهامة والرئيسية ، حتى أن بينهما علاقة جيدة ، وأكثر من مرة ينزل ساركوزى وزوجته المغنية كارلا تيديشي ضيفين على ماكرون في قصر الإليزيه.
وعلى هذا الصعيد ، هل رأيت عزيزى المشاهد السلطة والمناصب ، وكيف لها أن تنطوى على الفساد ، والتربح ، واستغلال النفوذ أسوأ استغلال ، هل أدركت أن الدوائر لا تدور على الشعب فقط ، بل حتى قد يهوى المنصب بصاحبه ، ويطرحه أرضًا ، وتلك هى الحقيقة التى لا يزال الكثير غافلا عنها ، أن حتى الحياة السياسة ، والمناصب ، ولربما القمة ، لا تحمى أصحابها طوال الوقت ، حتى وان استتروا خلفها لبعض الوقت .