أزمة المدخرات والقروض
في فترة الثمانينات من القرن الماضي واجهت الولايات المتحدة أزمة كادت أن تعصف باقتصادها ، وقادته نحو الركود والحضيض ، كانت أزمة ضخمة ، وفضيحة نالت من الانتشار صيت واسع الصدى ، تلك الازمة التى سميت بأزمة أموال المدخرات والقروض ، والتى أعلنت خلالها أكثر من 700 مؤسسة ادخار وإقراض إفلاسها.
لكن بفضل رفع الكثير من القيود فى عهد الرئيس رونالد ريجان ، استطاعت بعض المؤسسات استخدام الحيل المحاسبية لتبدو غير مفلسة ، بمعنى أدق أصبح الكثير منها مثل مشروع بونزى ، واستجابت الحكومة بدورها بوضع مجموعة من القواعد ، أطلقت عليها “إصلاح المؤسسات المالية ، وقانون الإنقاذ والتطبيق ، وفيما يلى سنتعرف بشكل مفصل على هذه الازمة واسعة الصيت ، والتى كانت تقف لها الولايات المتحدة في القرن الماضي على قدم وساق.
ما هى أزمة المدخرات والقروض ؟
في ثمانينات القرن الماضي ، حدثت أزمة مالية ضخمة في الولايات المتحدة ، وكانت قد نتجت عن ارتفاع هائل في معدلات التضخم ، فضلاً عن صعود أدوات الدين ذات العائد المرتفع ، والتي تسمى السندات غير المرغوب فيها ، كما يطلق عليها عادةً أزمة S & L ، مما أدى إلى فشل أكثر من نصف مؤسسات الادخار والقروض في البلاد .
ومؤسسة الادخار والقروض تلك والتي تسمى أيضًا التوفير ، هي بنك مجتمعي ، يوفر حسابات التدقيق والادخار وكذلك القروض والرهون العقارية للمستهلكين ، وقد تشكلت لمساعدة الطبقة العاملة ، بقروض عقارية منخفضة التكلفة حتى يتمكنوا من شراء المنازل.
وبدأت المشكلة في ظل مناخ أسعار الفائدة المتقلب ، والتضخم المصحوب بركود اقتصادي ، وكذلك نمو بطيء انتهى بتكلفة إجمالية قدرها 160 مليار دولار ؛ منها 132 مليار دولار تحملها دافعو الضرائب.
وكان مفتاح أزمة المبيعات والخسائر هو عدم تطابق اللوائح مع ظروف السوق ، والمخاطر الأخلاقية الناتجة عن الجمع بين ضمانات دافعي الضرائب إلى جانب إلغاء الضوابط ، وكذلك الفساد والاحتيال الصريحين ، وتنفيذ معايير الإقراض البطيئة والموسعة إلى حد كبير التي أدت بالبنوك اليائسة إلى اتخاذ قدر كبير من المخاطر متوازنة مع رأس مال ضئيل للغاية.
ما الذي تسبب في أزمة المدخرات والقروض ؟
ولقد نشأت أزمة المدخرات والقروض من مجموعة متنوعة من العوامل ، لكن يظل التضخم هو السبب الرئيسي في نشأة تلك الأزمة ، فلقد كان هذا الوقت الذي نشأت فيه الأزمة وقتاً عصيباً بالنسبة للولايات المتحدة ، حيث واجه المستهلكون ارتفاع الأسعار ، وارتفاع معدلات البطالة ، وجاء حظر النفط والذي نتج عنه ارتفاع أسعار الطاقة بشكل مبالغ فيه ، فمن هنا كانت تلك العوامل من مسببات التضخم الذي قاد البلاد الى الركود الاقتصادى ، وأصبحت الولايات المتحدة بيئة سامة من ارتفاع الاسعار ، وتراجع النمو ، مما أدى إلى إغراق الاقتصاد في الركود.
وكان الاحتياطى الفيدرالى بحاجة الى اتخاذ إجراءات صارمة من أجل مكافحة التضخم ، فتم رفع معدل الأموال الفيدرالية بشكل حاد ، وهذا ما نتج عنه تأثير مضاعف على جميع أسعار الفائدة الأخرى قصيرة وطويلة الأجل ، وجعل ذلك حلم المواطنين الأمريكيين بملكية المنازل شبه مستحيل.
ومن هنا تم ادخال ثورة في التمويل العقارى ، فظهر ما يسمى بالتمديد والرهن العقاري والذي يعكس أسعارا متغيرة حسب تغير أسعار الفائدة ، وهذا ما من شأنه أن يجعل صاحب المنزل مسؤولاً عن تحمل بعض المخاطر في حالة ارتفاع أسعار الفائدة بشكل حاد.
ما الذي حدث وقاد البلاد الى تلك الأزمة ؟
واذا نظرنا الى أزمة المدخرات والقروض التى حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية ، والتى كانت بمثابة فضيحة مالية ضخمة أغرقت البلاد في سيل من الديون ، وانحدرت به الى ركود اقتصادى ظل لعقود ، ونتجه الى لُب الأزمة ، والذي كان ينطوى على أن المؤسسات التى كانت تقوم بالاقراض ، كانت تُعطى القروض على المدى الطويل وبمعدل ثابت للفائدة ، فعندما ارتفعت أسعار الفائدة ، لم يتمكن رأس المال من المودعين لتعويض التزاماتهم ، فأفلس الكثير منهم .
فتم وضع قيود على مقدار الفائدة التي يمكن أن يفرضها البنك على أصحاب حساباته مثل قانون بنك القرض السكني الفيدرالي ، فأدى ذلك الى تقييد أيديهم بشكل فعال.
ولقد ادى ذلك الى جذب أصحاب حسابات المستهلكين الجدد إلى البنوك الأخرى التي تقدم أدوات مثل حسابات سوق المال والتي كانت تتمتع بمعدلات ادخار أفضل ، فواجهت الحكومة الفيدرالية نفسها آثارًا سيئة من الركود مثل تجميد التوظيف ، حيث أنها لم تعد تمتلك القوة البشرية اللازمة للاشراف على الصناعة ، فاتخذ المسؤولون قرارا مثيرا للاعجاب لتحرير الصناعة على أمل أن تنظم نفسها ، الا أن قلة الإشراف تسبب في حدوث أشياء أكثر فظاعة.
وتم رفع الأرباح على المدّخرات من أجل إغراء الناس بزيادة ودائعهم ، وهو ما سبب حروبًا في الأرباح بين جمعيات التوفير وحتى البنوك التجارية ، اشتدّت هذه الحروب حتى تحرّك الكونغرس في حركة غير معتادة بوضع حدود على أرباح المدخرات للبنوك التجارية وأيضًا لجمعيات التوفير ، وبعد أن سُنّ هذا القانون ، فُرضت على جمعيات التوفير تحديات لا سابق لها، فكان مديروها يبحثون عن طرق لزيادة نفوذهم في اقتصاد موصوف ببطء النمو، وارتفاع معدلات الأرباح ، والتضخم.
وضع ولاية تكساس هو الأصعب :
وكان الوضع أكثر سوءا في ولاية تكساس ، وكان الشعور بالأزمة بشكل مضاعف هناك ، حيث أن ما لا يقل عن نصف تكساس في ركود حاد ، وتم بيع استثمارات الأراضي المعيبة التابعة لمؤسسات الاقتراض بالمزاد العلني ، مما تسبب في انخفاض أسعار العقارات ، كما دفع انهيار الصناعة الى ارتفاع الوظائف الشاغرة في المكاتب بششكل ملحوظ ومتزايد ، وانخفض سعر النفط الخام بمقدار النصف.
وشاركت بنوك تكساس في أنشطة إجرامية تسببت في مزيد من الانهيار للاقتصاد ، كما ارتفعت فاتورة التخلف عن السداد ، وتكلف دافعي الضرائب حوالي 300 مليون دولار.
ولقد سمح الغاء القيود بالاستثمار في أدوات أكثر خطورة ، والتى من شأنها أن توفر عائدات مرتفعة ، فأصبحت السندات غير المرغوب فيها وسيلة لتعويض الضرر الناجم عن الرهون العقارية ذات السعر الثابت
ولجأ مديرو جمعيات التوفير إلى عدة ابتكارات ، منها أدوات الرهن البديلة وحسابات التأمين التي تحمل عبء الأرباح ، كطريقة لحفظ التمويل وإحداث حركة في شركات الإقراض ، ومكّنت هذه الأفعال جمعيات التوفير من الاستمرار في تسجيل نمو في الأصول المتدفقة واحتمالات الربح ، وبغض النظر عن هذا النمو الظاهر ، كانت الإشارات واضحة إلى أن الجمعيات كانت تتحرّق تحت القيود التي فرضها القانون.
فضيحة كيتنغ الخامسة :-
وخلال تلك الأزمة تم التحقيق مع خمسة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيين المعروفين باسم كيتنغ فايف من قبل لجنة الأخلاقيات في مجلس الشيوخ ، وكان ذلك بسبب مساهمات الحملة التي قبلوها من تشارلز كيتنغ والتى كانت تتضمن 1.5 مليون دولار .
ولقد كان هؤلاء الأعضاء التابعين لمجلس الشيوخ ، والذين شاركوا في فضيحة كيتنغ فايف ، هم جون جلين (ديمقراطي عن ولاية أوهايو) وآلان كرانستون (ديمقراطي من كاليفورنيا) وجون ماكين (جمهوري من أريزونا) ودينيس ديكونسيني (ديمقراطي من أريزونا) ، ودونالد ريجل (ديمشيغان) .
كما قام تشارلز كيتينغ بشراء السندات الغير مرغوب فيها والتى تبلغ قيمتها مبالغ ضخمة تصل الى 51 ميلون دولار ، وذلك على الرغم من أنه تحمل من الناحية الفنية خسارة صافية قدرها 100 مليون دولار ، وجاءت تلك السندات غير المرغوب فيها من شركة دريكسيل بورنهام التي يملكها مايكل ميلكن ؛ وأُدين كلا الرجلين بتهمة الاحتيال والابتزاز وحكم عليهما بالسجن.
ولقد كانت رشاوى كيتنغ محاولة للضغط على مجلس الخدمات المصرفية ، للتخلى عن التحقيق في الأنشطة المشبوهة التي شارك فيها كيتنغ ، ومن ثم قررت لجنة مجلس الشيوخ أن كرانستون وريجل وديكونسيني قد تدخلوا بشكل غير صحيح في التحقيق مع لينكولن ، وسُمح للخمسة أعضاء بإنهاء فترتهم في مجلس الشيوخ ، لكن فقط جلين وماكين أعيد انتخابهما.
وقامت الحكومة بوضع خطة انقاذ ، كلفتها 3 مليارات دولار ، وتركت أكثر من 20 ألف عميل بسندات غير مرغوب فيها لا قيمة لها ، وتمت إدانة كيتنغ بالتآمر والابتزاز والاحتيال ، وقضى فترة في السجن قبل إلغاء إدانته في عام 1996 ، ومن ثم تم الحكم عليه مجددا في عام 1999، حيث أقر بأنه مذنب في تهم أقل وحكم عليه بالمدة التي قضاها ، ولقد أدانت وزارة العدل أكثر من 1000 مصرفي بعد أزمة المدخرات والقروض.
عواقب أزمة المدخرات والقروض :-
وفي عام 1989 ، قدم الرئيس جورج بوش قانون إصلاح S & L ، والذي ساعد على صناعة المؤسسات المالية واستردادها من خلال تقديم 50 مليار دولار لإغلاق S & Ls .
كما أعلنت المؤسسات المالية ببيع استثماراتها في السندات غير المرغوب فيها ووضع متطلبات أكثر صرامة لصيانة رأس المال ، كما أنشأ عقوبات جديدة للاحتيال داخل البنوك المؤمنة اتحاديًا. وتم إنشاء وكالة حكومية جديدة ، هي شركة Resolution Trust Corporation ، لحل مشكلات الدعم والائتمان المتبقية ، وكانت تعمل في إطار المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع (FDIC) حتى تم حلها نهائيًا في عام 2011.
يتضح من خلال تلك الأزمة التى اهتزت لها الولايات المتحدة الامريكية في ثمانينات القرن الماضي ، أن العقارات التجارية مجالًا مهمًا للتسبب في حدوث مشكلات حيث تم تخفيف معايير الإقراض العقاري التجاري في الثمانينيات ، وكانت معظم البنوك التي فشلت صغيرة ، لكن الأزمة شهدت مصاعب كبيرة في البنوك وتحتاج إلى مساعدة من الحكومة ، فتم استخدام أموال دافعي الضرائب لإنقاذ هذه المؤسسات.