سفاح الجيزة

نختلف جميعا من شخص لآخر في افعالنا ، ونتختلف أيضا في ردود أفعالنا ، وكذلك نختلف فيما بيننا فى  الطرق والوسائل التي نتعامل بها في حل مشكلاتنا ، تماما كما تختلف مشكلاتنا من شخص لآخر ، فمن الممكن أن نلجأ لحل أزمة عن طريق المواجهة والحوار ، واذا كان الأمر مُعقد أكثر قد نلجأ للقضاء ، لكن هنا الأمر مختلف برمته ، فهناك من لجأ  لوسيلة أخرى كان يراها أكثر فعالية وحسما للأمور ، فلقد لجأ  للقتل ، وكان الخيار الاول له ، هذا الرجل الأربعيني الذي احترف التخلص من ضحاياه بطريقة لا يترك من خلالها أثرا أو شكوك توصل رجل الأمن به.

من هو سفاح الجيزة :-

المدعو قذافي فراج عبد العاطي ، والمعروف بسفاح الجيزة ، وهو قاتل متسلسل مصرى من بولاق الدكرور في القاهرة ، وقام بقتل أربعة اشخاص في الفترة من 2015 حتى 2017 ، ولقد تخرج قذافى من كلية الحقوق ولم يعمل بالمحاماة ، بل عمل بالتجارة والأعمال الحرة وكان يمتلك سلسلة مكتبات ومصنع للعب الأطفال.

جرائم قذافي سفاح الجيزة :-

وكان أولى ضحايا سفاح الجيزة هو رضا ، وكان يعمل مهندس في السعودية ، وكان رضا قد اعتاد على أن يرسل مدخراته إلى قذافى لكى يستثمرها ، فلقد كان رضا يعتبر قذافى صديقه محل ثقة ، ولم يكن يعلم أن صديقه يخدعه ، وقام قذافى بالاستيلاء على أموال  صديقه وممتلكاته ، وكان ذلك  بموجب توكيل رسمي كان قد أقنع صديقه بتحريره ، ثم عاد رضا فجأة من السعودية في عام 2015 ،  وطالب عبد العاطي بتصفية الحسابات المالية  ، ففكر قذافي في اعداد خطة لقتله ، ودعاه الى منزله ليتناول معه  العشاء ، وكان هذا العشاء الاخير  بالنسبة لصديقه الذي وضع جُل ثقته فيه ، فلقد دس قذافي المجرم السُم في طعام صديقه ، وعلى اثره لفظ أنفاسه الاخيرة ، وحفر قذافي حُفرة عميقة داخل احدى الغرف ف منزله ، ودفن فيها صديقه رضا ، ثم قام بإرسال رسالة الى زوجة الضحية مفادها ان الشرطة ألقت القبض عليه في مظاهرة ولا يعلم مكان تواجده ، ومن هنا كان يقصد تضليل أسرة الضحية ، وتضليل الشرطة ، وبدأت رحلة البحث عن رضا داخل السجون وأقسام الشرطة بالمحافظات ، وتم تحرير بلاغات اختفاء باسم الضحية لمحاولة التوصل إليه.

والضحية الثانية لقذافي كانت زوجته فاطمة ، والتى استولت على 400 ألف جنيه من أمواله لأنها كانت تخشى أن يتزوج بأخرى ، وحاول قذافي استعادة امواله من زوجته ، ولكنها رفضت ارجاع الاموال ، فقرر الانتقام منها ، وقام بقتلها ،  ثم دفنها في حفرة داخل غرفة أخرى ، وبجوارها مصوغات خاصة بها ، بغرض تأكيد أن المال لا قيمة له ، فلقد ذكر ذلك في تحقيقات النيابة.

كما قام قذافى بقتل ضحية أخرى ، وهى نادين ،  والتى كانت تعمل في إحدى المكتبات التي استولى عليها من صديقه رضا بموجب التوكيل العام الذي حصل عليه منه ، وكان قذافي على علاقة غير شرعية معها ، ثم بعد فترة حاول اقامة علاقة مع اختها وتقدم لخطبتها ، فوقفت نادين عائقا أمام زواجه من شقيقتها ، وهددته بفضح أمره أمام أسرتها ، اذا لم يتوقف عن مخططه للزواج من شقيقتها ، فقام بإستدراجها لمنزله وقتلها بنفس الطريقة ودفن جثمانها بجوار جثمان صديقه وزوجته السابقة ، ثم عمل السفاح قذافى على  وهم أسرة نادين أن ابنتهم على علاقة بمخرج سينمائي ، وأنها تهوى الفن والتمثيل ، فهربت إلى إحدى الدول العربية من أجل ذلك ، فدفع ذلك اسرة نادين للتكتم على الأمر ، حتى انهم لم يقرروا بتحرير  محضر بتغيب ابنتهم ، وفي تلك الاثناء انتحل قذافي صفة ضحيته الأولى صديقه المهندس رضا ، وباع كل أملاكه وعقاراته التي استولى عليها وتوجه إلى الإسكندرية ، وهناك واصل ارتكاب جرائمه.

وبعدما انتقل قذافى الى الاسكندرية ، هناك تعرف على ضحيته الجديدة والاخيرة ، ياسمين نصر إبراهيم ، واشترك قذافى مع خطيب الضحية في النصب عليها ، وقاموا ببيع شقة تملكها ، وقاموا بتقسيم المبلغ فيما بينهم ، ولم يقوموا بإعطائها اموالها ، وبعدما اكتشفت الضحية ياسمين عملية النصب والاحتيال ، استدرجها قذافي إلى مخزن بمنطقة العصافرة وخنقها حتى فارقت الحياة ، وهناك قام بدفنها في غرفة من غرف المخزن ، وبذلك تخلص قذافى السفاح من تهديدها له بتقديم بلاغ بعملية النصب التي تعرّضت لها إذا لم يقوم برد أموالها.

بطاقات ششخصية مزورة لسفاح الجيزة

رحلة سقوط سفاح الجيزة والقبض عليه :-

وبعد ذلك تزوج قذافي من سيدة صيدلانية ، بصفته المهندس رضا صديق طفولته الذي قتله ، وخطط لسرقة شقة والدها الذي كان يعمل تاجر ذهب ، ولجأ إلى ارتداء “النقاب” أسوة بشقيقة زوجته ، كي لا يشك به أحد أثناء دخول الشقة ، ونجحت خطته ، وتمكن من سرقة كميات من الذهب والاموال ، قدرت بنحو 750 ألف جنيه.

وعلى اثر ذلك قام والد زوجته بتحرير محضر سرقة ، وقامت أجهزة الامن بتفريغ محتوى مجموعة من الكاميرات ، لتتبع مرتكب واقعة السرقة ، وتبين من خلال تسجيلات الكاميرات ، دخول سيدة منتقبة الى العقار ، وخرجت بعد وقت قليل حاملة حقيبة سوداء بداخلها المسروقات ، ومع استمرار تفريغ كاميرات المراقبة الموجودة بمحيط العقار ، تبين دخول المنتقبة إلى عمارة سكنية مجاورة وبعد أقل من ساعة خرج “قذافي” وبيده الحقيبة ، وبإلقاء القبض عليه اعترف بارتكابه جريمة السرقة وتخفيه في النقاب كي لا يكتشفه أحد.

وتم احالته الى المحاكمة ، باسم “رضا محمد عبداللطيف” ، الاسم الذي انتحله من صديقه ، وصدر ضده حكم بالسجن عامًا ، وفي إحدى جلسات المحاكمة حاول الهرب ، لكن باءت محاولته بالفشل وصدر ضده حكم جديد بالسجن 3 أشهر.

وكان أشقاء المهندس رضا صديق قذافي ، والذي قتله واستولى على امواله ، لا يتوقفون عن البحث عنه ، في جميع أقسام ومراكز الشرطة وكذلك المستشفيات ، حتى أن إحدى شقيقاته التي تقيم بمحافظة بني سويف ذهبت لمناظرة بعض الجثث التي ظنوا أنها قد تكون لشقيقها لكن دون فائدة ، وأثناء عودة شقيقة الضحية إلى منزل العائلة ببولاق للاستراحة اكتشفت أن أحد الأهالي يُقيم بشقة كانت ملك شقيقها ، وبسؤاله عن سبب تواجده بها ، أخبرها أنه اشترى الشقة من قذافي ، وخلال هذا التوقيت كان قذافي قد أخبر اهل صديقه رضا بأنه تم القبض عليه من قبل قوات الأمن ، وهنا كانت المفاجأة بالنسبة لأهل الضحية ، الذين تيقنوا بأن هناك ثمة علاقة تربط بين قذافي واختفاء رضا ، فبدأت الأنظار تتجه نحو قذافى سفاح الجيزة.

وقاموا بتكثيف عملييات البحث عن رضا وقذافي ، وأثناء البحث بأقسام الشرطة والسيستم الخاص بوزارة الداخلية تم العثور نهاية 2019 على محضر سرقة باسم “رضا محمد عبد اللطيف” بقسم سيدي جابر بالإسكندرية.

فأرسل أهل الضحية رضا أحد المحاميين الى الاسكندرية للاطلاع على المحضر والتعرف على تفاصيل الواقعة في محاولة لإيجاد رضا ، وبتصوير أوراق القضية تم العثور على مستندات وشهادة ميلاد خاصة بالمهندس رضا ، وبالتواصل مع زوجة المتهم ووالدها ، تم الحصول على كافة التفاصيل الخاصة بالمتهم والمعروف لديهم باسم رضا ، وفي هذا الوقت كان قذافى داخل السجن يقضي عقوبة السرقة.

وقام أهل المجنى عليه رضا بتقديم طلبات إلى النيابة العامة في الإسكندرية للتحقيق في واقعة اختفاء نجلهم واتهموا قذافي فرج في ذلك ، الذي أنكر وقال إنه سرق أموال رضا لكن ليس لديه أي معلومات عن مكان اختفائه ، وأنكر اتهامه بالقتل.

وبعد الضغط عليه اعترف بأنه وراء مقتل صديقه رضا ، وانه انتحل شخصيته ، وأنه تعمد تضليل أسرته في رحلة البحث عنه ؛ لإبعاد شبهات اتهامه بقتل رضا ، ثم توالت اعترافاته ، بقتل زوجته فاطمة ، وقتل نادين ، بالاضافة الى السيدة الرابعة بالإسكندرية.

وقالت النيابة العامة ، إنها أقامت الدليل قِبَل المتهم في القضايا الأربع من شهادة 17 شاهدا ، الى جانب اعترافات المتهم في التحقيقات ، واستخراج رفات جثامين المجني عليهم من الأماكن المدفونة بها ، وما ثبت بتقارير الصفة التشريحية لتلك الجثامين وتطابق البصمات الوراثية المأخوذة منها مع مثيلتها المأخوذة من ذوي المجني عليهم ، وما ثبت بتقارير الإدارة العامة لتحقيق الأدلة الجنائية بشأن فحص الآثار المرفوعة من أماكن استخراج الجثامين ، فضلا عن محاكاة المتهم لكيفية ارتكابه الوقائع الأربع.

وقضت محكمة الجنايات بـ 4 أحكام بالإعدام شنقًا لـ سفاح الجيزة قذافي فرج بتهمة قتل صديقه رضا عبد اللطيف ، والثلاث نساء الاخرون ، وطعن المتهم على الأحكام الثلاثة أمام محكمة النقض ، وأيدت محمكة النقض الحكم .

ونجد انه بعد سقوط المتهم بين أيدي أجهزة الأمن بعد 5 سنوات من عمليات القتل والنصب والاحتيال ، كانت حصيلتها 4 قتلى ، من بينهم صديقه المقرب وزوجته ، في مدينتي الجيزة والإسكندرية ، وقد استخدم فيها ذكاءه الشديد للتمويه والتخفي وانتحال صفة ضحاياه تارة ، وأشخاص آخرين تارة أخرى بأوراق رسمية ، وتم حجز المتهم في مستشفى الأمراض العقلية لمدة شهرين ، للكشف عليه وبيان ما إذا كان يعاني من أمراض نفسية أو اضطرابات عقلية.

Leave A Comment