فضيحة هين ليونج
في فضيحة مالية لاحدى الكيانات الكبري فى مجال تجارة النفط ، تأتى شركة سنغافورية كبري تتصدر ، قوائم الأزمات المالية التى عقبت جائحة كورنا ، وكانت ستعصف بمجموعة بنوك كبرى ، جراء القروض الضخمة التى اقترضتها ، وكان ذلك بضمانات مُباعة ، وغير موجودة ، بالاضافة الى ان الشركة لم تكن تملك سبل السداد ، فآلت الشركة الى الانهيار ، وكانت ستأخذ في قدميها تلك المصارف التى تورطت في اقراضها ، وهى تخفى العديد من الخسائر التى كانت تنغمس فيها منذ فترة .
تلك الفضيحة والتى كانت نتيجة لسوء التقدير ، والحسابات الخاطئة ، والتورط في الديون من غير حيلة أو تلاعب ، فلقد كانت تلك الشركة التى هى مكمن القضية تؤول لرجل عصامى ، بنى شركته من الصفر ، الا أنه أخطأ التقدير.
ما هى هين ليونغ ؟
هين ليونغ هى عبارة عن واحدة من أكبر القوى وأكثرها سرية لتجارة النفط في العالم ، وجاءت أزمة انهيار أسعار النفط بآثار سلبية على الشركة ، ولقد حدث ذلك بالتزامن مع تفشي فيروس كورونا العالمي والخلافات بين المنتجين ، وهذا الأمر من شأنه كان ينذر بسقوط الشركة.
ولقد تم تأسيس هين ليونغ عام 1963 ، من قبل المستثمر الأسطوري ، وقطب الاعمال السنغافورى ليم أون كوين.
بداية الدخول في طريق الازمة :-
بحسب التصريحات التى أدلى بها ليم تشي مينغ ، وهو الابن الوحيد لليم أون كوين ، إن الشركة قامت ببيع ملايين البراميل من المنتجات المكررة التي كانت تستخدمها كضمان لتأمين القروض التي حصلت عليها من البنوك ، وترتب على ذلك أن تواجه الشركة نقصًا كبيرًا في مخزونات النفط التي تمتلكها والمخزونات التي تعهدت بها البنوك ، مما يعنى خسائر فادحة من شأنها أن تقسم ظهر البنوك التي قامت بتمويل هين ليونغ بمليارات القروض حيث أن الضمانات التي يعتقدون أنها تملكها كضمان ليست موجودة.
وبفرد الصفحات للثلاث سنوات الماضية ، سنجد أن المشكلة التى تتعرض لها الشركة ، هي الأحدث في سلسلة الأزمات التي تضرب تجارة السلع في سنغافورة ، والتي تعد أحد أكبر المراكز العالمية لهذا المجال إلى جانب جنيف ولندن وهيوستن.
وبعد أن أمضى ليم أون كوين القطب السنغافورى للطاقة عقودا من الزمن في بناء إمبراطورية تجارية ، وظل خلالها يحلم بجعل شركته التى كانت عبارة عن رجل يبيع الديزل الى صيادى الاسماك ، الى واحدة من كبرى شركات تجارة وقود الشحن في آسيا.
ولقد حدث انهيار الامبراطورية في غضون بضعة أيام ، ونتج عن هذا الانهيار موجات ارتدادية عبر صناعة تجارة السلع والمصارف في الإقليم ، التي تمول التجارة العالمية.
وبالنسبة للبنوك والمقرضين لم تتضح بالنسبة لهم أبعاد المشكلات المالية التى تمر بها الشركة الا مؤخرا ، والذي تفجر نتيجة الضغط لتسديد قروض بمليارات الدولارات ، جنبا الى جنب انهيار أسعار النفط الخام وتراجع الطلب بسبب وباء فيروس كورونا ، فظهر الاعتراف الذي ذُهل له الجميع ، ففي اجتماع افتراضي لمناقشة احتمال تعليق الديون ، تم الكشف عن أن الشركة التي أعلنت عن صافي دخل بقيمة 80 مليار دولار في حساباتها الرسمية لعام 2019 ، لم تكن في حقيقة الأمر تحقق أي أرباح لأعوام ، وذلك وفقا لأشخاص مطلعين على الاجتماع.
حيث أن الشركة فى الواقع المؤسف كانت قد تكبدت خسائر بقيمة 800 مليون دولار من تداول عقود آجلة، لم تكشف عنها في حساباتها ، ولم ينتهى الأمر هنا ، بل أزادهم ليم من الشعر بيتا ، حيث كشف أن النفط المتعهد به كضمانات للقروض ، تم بيعه لجمع الأموال.
وقف المصرفيون مذهولون أمام هذا الوضع ، وبعد أيام قليلة كانت الشركة قد قدمت طلبا للحماية من الإفلاس في المحكمة العليا في سنغافورة ، وفى الوقت ذاته كانت المصارف التى أقرضت هين ليونغ مليارات الدولارات وتواجه خسارة كبيرة ، تتدافع لتقديم دعاوى ضد الشركة.
وعلى أثر ذلك كرر ليم اعترافه المدمر في إفادة خطية موقعة واستقال من الشركة ، وفى نفس الوقت كان ابنه عضو مجلس إدارة في هين ليونج وشركة الشحن التابعة للعائلة أي أوشين تانكرز ، يحاول أن ينأى بنفسه عن الفضيحة التي كانت تتخمر.
وتوجه في دعوة قضائية منفصلة قائلا لست على دراية شخصية بكيف ولماذا لم يتم تسجيل هذه الخسائر ، لأنني لم أشارك في الوظيفة المالية التي أشرف عليها والدي ، حيث ان الخسارة التى تكبدتها شركة تجارة النفط السنغافورية التي تقدمت بطلب للحماية من الإفلاس ، والتى تبلغ قيمتها 800 مليون دولار ، كما ذكرنا سابقا ، لم تظهر في قوائمها المالية بناءً على تعليمات من مؤسسها ليم أون كيون .
وعندما مَثُل بعد ذلك ليم مؤسس شركة تجارة النفط المنهارة ، أمام المحكمة بتهمة التزوير والخداع ، وركزت المحاكمة على ثلاثة من إجمالي 130 تهمة.
واعترف ليم أمام المحكمة ، أنه عمد الى توجيه القسم المالي بالشركة إلى عدم الإفصاح عن تلك الخسائر التي سجلت في أسواق العقود الآجلة ، مما يبرز مدى تأثير التراجع الحاد في أسعار النفط.
ولقد بلغت ديون الشركة السنغافورية التي تعد واحدة من أكبر شركات تجارة النفط بالعالم نحو 4 مليارات دولار في وقت قررت به الشركة تحويل إدارتها بعيدا عن الأسرة المؤسسة ، وهذا ما أفضى بها الى سحب دعوى قضائية للحماية من الدائنين.
وتم تسليم الشركة إلى شركة المحاسبة PWC لإدارة الشركة التي ترزح تحت وطأة ديون هائلة في خضم هبوط أسعار النفط على وقع جائحة كورونا التي تلقي بظلالها على أسواق النفط العالمية المضطربة بالأساس ، وستعمل PWC كحارس قضائي داخلي على الشركة وسيمكنها التفاوض مع الدائنين مع العمل على إدارة الشركة وتسيير أمورها المالية.
وتمتلك شركة أويل تانكرز التابعة لشركة هين ليونغ نحو 100 ناقلة نفطية وتقدمت هي الأخرى بطلب للحماية من الدائنين ، كما أن الشركة الشقيقة لن تسحب طلب حمايتها من الدائنين.
وتلك الأزمة التى رجت أركان هين ليونج ، كان لها بالغ الأثر على اهتزاز مركز تجارة السلع في سنغافورة ، فتوجهت الشرطة الى التحقيق في الكيان الاسطورى هين ليونج المثقلة بالديون.
كما انه من المؤكد أيضا أن لها تأثير مروع في استعداد المصارف لإقراض أكبر شركات تجارة السلع ، فلقد شهدت سنغافورة في الاعوام الأخيرة ، انهيار مجموعة نوبل ، وأجريتريد إنترناشيونال ، وبيترو دايموند سنغافورة.
ولقد أثار سقوط امبرطورية هين ليونغ مخاوف من انهيارات وشيكة لشركات على علاقة بصناعة النفط ، في وقت تتدنى به أسعار الخام عند مستويات قياسية ، كما قام ثمانية بنوك من كبار الدائنين بتشكيل لجنة لإدارة المفاوضات مع الشركة المثقلة بالديون في وقت تصدر به بنك HSBC قائمة الدائنين بديون تبلغ قيمتها نحو 600 مليون دولار.
ويلي بنك HSBC ، ABN Amro حيث تدين له هين لييونج بـ300 مليون دولار ، وسوسييتيه جنرال بـ240 مليون دولار ، بالاضاففة الى مجموعة مصارف سنغافورية مثل DBS Group ، وكذلك بنك OCBS وبنك United Overseas ، تدين لهم بما مجموعة أكثر من 600 مليون دولار.
تفاقم المشكلة :-
ولقد بدأت المشكلات المالية عندما رفض عدد من المصارف إصدار خطابات اعتماد ، فلقد كان يتم إصدار خطابات الاعتماد التي يستخدمها التجار على نطاق واسع ، نيابة عن المشتري وتكون بمنزلة ضمان دفع للبائع ، بمجرد اكتمال الصفقة ، يسدد المشتري للمصرف.
وكان ذلك بسبب العجز عن السداد من قبل تجار النفط الآخرين ، حيث قرر عدد من المصارف المقرضة لمجموعة هين ليونج تقليل تعرضها أو التوقف عن تقديم تمويل تجارة السلع.
وادى ذلك الى فرض الضغط على سيولة الشركة ، تزامناً مع الوقت الذي انهارت فيه أسعار النفط بسبب تداعيات حرب الأسعار ، وتراجعت أسعار النفط في الولايات المتحدة منذ ذلك الحين إلى دون الصفر ، للمرة الأولى في التاريخ.
ولم يكن بعيدا عن قدرة كيان اسطورى كشركة هين ليونج أن تخرج من تلك الأزمة ، وتجتاز العاصفة ، ومن ثم تنتظر انتعاش الاسواق مجددا ، الا ان ما حدث أنها قُيدت بسلسلة من الطلبات لتغطية الهوامش أجبرتها على بيع النفط لجمع الأموال.
وبالرغم من هذا استمرت الطلبات بالوصول إلى شركة هين ليونج ، الا أنها لم تحوط نفسها بشكل كاف ضد الانخفاض الحاد في أسعار النفط ، وكانت تستنزف الأموال ، وفي الوقت نفسه ، أدى وباء فيروس كورونا إلى الحد من الطلب على وقود السفن.
ولم تقابل المصارف المُقرضة لمجموعة هين ليونج تلك الأحداث ، وطلب الحصول على الحماية من الإفلاس ، هكذا مكتوفة الأيدى ، بل أعلنت أنها ستعارض طلب الإفلاس ، وستطلب من المحكمة العليا في سنغافورة تعيين طرف ثالث مستقل لإدارة الشركة ، وهى عملية معروفة باسم الإدارة القضائية ، في محاولة لإنقاذ شيء من الحطام.
قرارات المحكمة :-
ووافقت المحكمة العليا في سنغافورة على الطلب المقدم لانهاء هين ليونج بعدما فشلت في إعادة هيكلة ديون بنحو 4 مليارات دولار في أعقاب انهيار أسعار النفط خلال وباء COVID-19.
كما أن المحكمة وافقت على تجميد ما يصل إلى 3.5 مليار دولار من الأصول العالمية المملوكة للعائلة المؤسِّسة لشركة تجارة النفط المنهارة ، في واحدة من أكبر الأوامر القضائية في تاريخ المدينة والدولة ، مما قد يزيد من فرص استرداد الديون من إمبراطورية تجارة النفط السابقة التي تعد بعضًا من أكبر البنوك في العالم من بين دائنيها.
خاتمة :-
وبذلك انهارت امبراطورية أعمال أوكيه ليم التي تمتد من تجارة النفط إلى التزويد بالوقود لشركات التخزين ، بعد أن كشفت الرهانات الخاطئة على أسعار النفط عن خسائر خفية واحتيال مزعوم ، وتردَّدت أصداء التداعيات عبر الأسواق العالمية ، مما دفع المؤسسات المالية إلى إعادة تقييم انكشافها ، وكشف عمليات خفية بتجارة النفط تقدَّر قيمتها بنحو 4 تريليونات دولار.
وبناء على ما ورد في ملف المحكمة ، أن أصول العائلة تشمل عقاراتٍ في سنغافورة وأستراليا ، ومبالغَ نقدية واستثمارات ، وبوالصَ تأمين ، وأسهماً ، وعضويةً في النادي ، كما تمَّ السماح لرجل الأعمال وأولاده بالتصرف في أيٍّ من أصولهم في سنغافورة ، أو التوصل إلى صفقات تتعلَّق بممتلكاتهم ، فيما يتجاوز قيمة الأصول المرهونة في سنغافورة بنحو 3.5 مليار دولار .