أبرز قضايا الفساد في الولايات المتحدة الأمريكية

هناك العديد من الفضايح السياسية وقضايا الفساد السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية والتى لا يعرف عنها الكثيرون ، والتى تتنوع بين الفضائح الجنسية وتعدد العلاقات النسائية للساسة والزعماء ، وبين اختلاس الاموال العامة ، والقيام بصفقات تربح مشبوهة ، وغيرها كتزوير كيانات وهمية لاخفاء الفساد والرشوة ، وغير ذلك الكثير مما تُسدل عليه الولايات المتحدة الأمريكية ستار الكتمان.

 لكنها مهما حاولت اخفاء الحقائق عن هذا الجمهور العريض من شعبها ، او حتى عن الأخرون ، فستحول الحقائق دون ذلك ، فالفضائح مهما باعد بينها وبين خروجها للعلن التاريخ والمسافات ، فلابد أن يزاح عنها الغبار من دون سعى منهم أو محاولة ، ولكن احقاقا للحق ، لم تستقطع الولايات الامريكية بالفضائح والفساد السياسي ، وتوقفها حكرا عليها ، ولكنها مُشار اليها في ذلك ، حيث أنه كان من الشائع أن كيان عظيم كهذا ، من غير الممكن أن تَمس الفضائح كوكبه السياسي ، ولكن التاريخ أفصح عن الحقيقة ، حيث ان الفساد كائنا في كل المجتمعات على اختلاف العرق والجنس واللون .

قضية هاميلتون- رينولدز

أولا قضية هاميلتون- رينولدز:-

اذا ما هى تلك الفضيحة التى ارتبطت باسم وزير الخزانة الأمريكي ألكسندر هاميلتون ؟

تبدأ أحداث تلك القضية ، في عام 1791 ، عندما بدأت ماريا رينولدز بالتقرب من ألكسندر هاميلتون في فيلادلفيا ، ومن أجل طلب المساعدة ، وكان ألكسندر هاميلتون يبلغ من العمر في هذا الوقت أربع وثلاثون عاماً ، بينما كانت ماريا رينولدز في عمر الثلاث وعشرون عاما .

اقتربت ماريا من هاميلتون وطلبت مساعدته المالية ، حيث زعمت ماريا ان زوجها جيمس قد تخلى عنها ، ومن ثم بدأ كل من هاميلتون وماريا سويا علاقة غير مشروعة ، استمرت نحو العام تقريبا .

ولقد كان جيمس رينولدز على علم بخيانة زوجته له ، لكنه كان يدعم استمرار تلك العلاقة ، من أجل كسب أموال الابتزاز باستمرار من هاميلتون ، وهو ما ذكره هاميلتون بعد ذذلك ، حيث اشار إلى أن جيمس رينولدز قد تأمر مع زوجته ماريا على مخطط ضد هاميلتون يستهدف ابتزازه.

وكان جيمس رينولدز والذي كان يرتدى ثوب الزوج المظلوم  يدرك جيدا كم أن هاميلتون يخشى من خروج تلك الفضيحة الى النور ، فكان عليه ان يرضخ لطلبات جيمس رينولدز خوفا من أن تظهر تلك العلاقة الغير مشروعة الى الرأى العام ، فأصر جيمس رينولدز على أن يتقاضى تعويضا نقديا بدلا من ذلك .

وقبل أن يظهر جيمس رينولدز في الصورة ، كان هاميلتون قد أراد ان ينهى تلك القضية وأن يغلقها مع ماريا ، ففى ذلك الوقت تلقى رسالة من ماريا تفيد بأن زوجها شك في أمرها ، فأوقف هاميتون علاقته بها لفترة ، ولكن مع مواصلة ماريا ارسال الرسائل ، عاد هاميلتون الى لقاء ماريا ، ومن هنا بدأت محاولات الابتزاز للتكتم والسرية على تلك العلاقة ، من جيمس وأهله ، فما كان من هاميلتون الا ان يدفع تلك المبالغ التى كانت تُطلب منه ، ومن ثم قرر الابتعاد نهائيا عن ماريا ودفع لجيمس اموالا أخرى حتى ينهيا تلك القضية بينهما.

كيف تم اكتشاف الفضيحة :-

وما حدث بعد ذلك كان من شأنه أن يغير مسار الأمور ، وتخرج تلك لقضية الى العلن ، وتتحول الى فضيحة ، حيث أن جيمس رينولدز تم سجنه بسبب مشاركته في مخطط ينطوي على أجور متأخرة غير مدفوعة مخصصة للمحاربين القدماء في الحرب الثورية ، فما كان من جيمس رينولدز الا أن قام باستغلال قضية هاميلتون الجنسية للتفاوض على طريقة تساعده في الخروج من مشاكله الخاصة .

ومن هنا واجه هاميلتون مشكلة انه كان يتعين عليه الاختيار بين الكشف عن علاقته مع ماريا أو الاعتراف بالتواطؤ في التهم التى وجهت اليه ، وكان جيمس مونرو وأبراهام فينابل وفريدريك مولنبورغ أول الرجال الذين سمعوا عن هذا الفساد المحتمل داخل الحكومة الجديدة للبلاد ، فقرروا مواجهة هاميلتون بالمعلومات التي تلقوها ، مدعومة بملاحظات مدفوعات هاميلتون إلى رينولدز ، والتي أعطتهم ماريا إياها لتأييد اتهامات زوجها ، والتى كانت تدفع بإدانة هاميلتون.

فوجد هاميلتون نفسه محاصرا بين قرارين ، أحلاهما مر ، فنفى هاميلتون ارتكابه لأي مخالفات مالية ، واضطر للكشف عن الطبيعة الحقيقة للعلاقة التى جمعته مع ماريا رينولدز وزوجها بجميع تفاصيلها البغيضة ، وقام بتسليم رسائل ماريا وزوجها التى كانت تُرسل له لدعم اعترافه.

ولقد اقتنع كل من مونرو وفينابل ومولنبورغ بأن هاميلتون لم يكن مذنبً أو سيء السلوك بشكل عام ، ولذلك وافقوا على عدم نشر المعلومات والوثائق المتعلقة بقضية رينولدز ، وأكدوا لهاميلتون أن الأمر قد تم تسويته.

وبالرغم من ذلك فقد أرسل مونرو

الرسائل إلى صديقه الشخصي المقرب ، توماس جفرسون ، ولقد كان جفرسون من أشد أعداء هاميلتون ، وبعد خمس سنوات ومع بداية انتشار الشائعات حول حياة هاميلتون الخاصة ، وبعدما لم يعد هاميلتون يشغل منصب وزير الخزانة ، ظهرت تفاصيل علاقته مع ماريا وجيمس رينولدز ، في سلسلة من الكتيبات التي كتبها الصحفي جيمس طومسون كالندر ، حتى ان الكتيبات تضمنت نسخا من الوثائق التي قدمها هاميلتون إلى لجنة مونرو من قبل ، فقام هاميلتون  بمواجهه مونروا بخصوص تسرب الوثائق التي يفترض أنها سرية ، ولكن مونرو نفي مسؤوليته بأى شيء يخص تسرب تلك الوثائق ، ولكن هاميلتون افترض كذبه ، واعتبره وغدا وكاذبا .

ثم اعترف هاميلتون بما كشفه كالندر عن طريق طباعة كتيبه الخاص ، والذي اسماه ملاحظات على وثائق معينة ، وعرف فيما بعد باسم كتيب رينولدز ، والذي أنكر فيه جميع تهم الفساد ،  ومع ذلك ، لم ينكر علاقته مع ماريا رينولدز ، ولكنه اعترف بها علنا ، واعتذرعنها.

ولقد أضرت القضية بسمعة هاميلتون بشدة ، حتى أنها عملت على تأكيد اقتناع منافسه توماس جفرسون بأنه غير جدير بالثقة ، إلا أنها لم تفعل شيئًا لتغيير رأي واشنطن بشأنه ، حيث أنه لا زال يُنظر الى هاميلتون بتقدير كبير ، باعتباره القوة المهيمنة في تأسيس القانون الفيدرالي والحكومة.

ولقد تلقت تلك الفضيحة السياسية المبكرة في التاريخ الأمريكي صورًا خيالية متعددة ، حيث تم تصويرها سينمائيا ، وكذلك مسرحيا ، وهكذا جسدت السيرة الذاتية لهاميلتون في أكثر من عمل ، يوضح الصراع النفسي والاجتماعى الذي لاقاه هاميلتون وواجهه بالرغم من أنه لم يكن بصدد الفساد الاخلاقي على المستوى العام ، وكانت سيرته تتميز بنقاءها دائما ، ولم تمتد يده الى أموال البلاد.

ثانيا فضيحة الرجل الذي اشترى واشنطن :-

لقد برز اسم جاك ابراموف Jack Abramoff في بداية الألفينات ، كواحداً من أكبر جماعات الضغط الاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة ، حيث كان اسمه وطيد الصلة بتمويل حملات أعضاء الكونغرس الانتخابية وأندية القمار وصفقات غير مشروعة مع قبائل الهنود الحمر ، كما انه تمكن من الحصول على ملايين الدولارات من هذه القبائل بدافع الاستفادة من نفوذه لدى أعضاء الكونغرس لمنحهم رخص قانونية لأندية قمار في مناطق تجمعاتهم والتي تتمتع بميزة الإعفاء من الضرائب طبقا للقانون الأميركي.

ولقد تم الكشف عن نشاطاته ، من خلال الرسائل الالكترونية  ووثائق ومقابلات مع مساعديه السابقين ، حيث انه قام بإدارة كيانات سياسية واقتصادية متشابكة ، لكسب المال ، ومحاولة الاستفادة والحصول على نفوذ له ولعملائه من خلال علاقاته بالمشرعين وأعضاء الكونغرس.

ومن ثم توجهت وزارة العدل الأمريكية الى النظر في طبيعة علاقاته مع نصف دستة من أعضاء الكونغرس ومع مساعدين وموظفين في الكونغرس ومسئولين حكوميين ورجال أعمال.

محطات فساد ابراموف :-

ومن خلال اعترافات جاك ابراموف التى أدلى بها في عام 2006 ، حيث اعترف بكونه مذنبا في جرائم فيدرالية  تشمل التآمر والخداع والتهرب الضريبي.

وفى العام 2005 قام ستة من أعضاء الكونغرس جمهوريين وديمقراطيين برد أموال كان ابراموف وشركائه قد تبرعوا بها لحملات هؤلاء الأعضاء الانتخابية.

كما قام أدم كيدان والذي كان أحد شركاء ابراموف بالاعتراف بأنه قام بالخداع في صفقة شراء أندية قمار عائمة عام 2000 ، والتى  تم توجيه الاتهام الى ابراموف بعد ذلك بالمشاركة بالخداع في تلك القضية ، وتمت محاكمتهم أمام محكمة فيدرالية في ميامي ، ولكن ابراموف ادعى أنه بريء من تلك القضية ، واعترف أيضا مايكل سكانلون وهو واحد من شركاء ابراموف ، المساعد السابق لنائب تكساس وزعيم الأغلبية السابق في مجلس النواب توم ديلاي ، بأنه قام بارتكاب جريمة التآمر لتضليل مسؤولين رسميين.

وتم توجيه الاتهام لديفيد سفيفيان المدير السابق لموظفي إدارة بوش للخدمات العامة ، بالكذب وتضليل العدالة في سياق علاقاته وتعاملاته مع اللوبيست ابراموف.

ولقد رفض ابراموف الإجابة عن سؤال موجه من لجنة شؤون الهنود بمجلس الشيوخ في عام 2004 ، والذي كان يتمحور حول أعماله وعلاقاته بقبائل الهنود الأميركيين وأندية القمار  ، ولقد توصلت اللجنة بعد ذلك وبعد قيامها بمجموعة تحقيقات مكثفة استمرت لمدة سبعة أشهر ، إلى أن ابراموف وشريكه مايكل سكانلون قد حصلا من ست قبائل هندية في ست ولايات مختلفة على مبلغ 66 مليون دولار بهدف صناعة لوبي وتدخلا في انتخابات اثنتين من القبائل على الأقل لضمان حصولهما على تعاقدات مع هذه القبائل.

ولقد كان ابراموف قد قام عام 2003 ، بالتبرع بمبلغ يزيد عن 100 ألف دولار لحملة دعاية إعادة انتخاب الرئيس بوش.

كما أن ابراموف وشريكه أدم كيدان قد قاما بشراء شركة سن كروز لأندية القمار العائمة عام 2000 ، والتى حوكما بسببها أمام المحكمة الفيدرالية في ميامى ، كما أن مدعيين المحكمة أكدت أنهما قاما بتزوير حوالة مالية بمبلغ 23 مليون دولار بهدف أن يظهرا وكأنهما يساهمان بمبالغ كبيرة في الصفقة.

ابراموف وفضيحة توم ديلاي :-

ويعتبر جاك ابراموف أحد صناع فضيحة  توم ديلاي واللى تعد فضيحة الفساد الكبرى عام 2005 ، فلقد وجهت إلى ديلاي اتهامات تتعلق بخرق وانتهاك القواعد الأخلاقية للكونغرس ، ومن بين تلك الاتهامات قيامه بعدة سفريات للخارج تحمل نفقاتها ممثلو بعض المصالح الخاصة التي شاركت في تحمل نفقات حملته الانتخابية ، ومن أبرز تلك الرحلات قيام ديلاي بالذهاب إلى إسكتلاندا في رحلة ترفيهية لممارسة رياضة الجولف بدعوة من جاك ابراموف ولعب توم ديلاى الجولف مع ابراموف.

كما أن العاملون بشركات اللوبى ، والذين من بينهم ابراموف ، كانوا يجنون أمولاً وأرباحاً طائلة عن طريق استخدام نفوذهم في الكونغرس لإقناع أشخاص مثل توم ديلاى بإصدار تشريع لصالح عملائهم والتي تتضمن العديد من الشركات الأمريكية ، حتى أن ديلاي هو أيضا وُضع رهن التحقيق ، وذلك لوضعه نفقات زوجته وابنته على قائمة نفقات دعايته الانتخابية.

ابراموف يعترف بالفساد :-

وفي عام 2006 ، قام اللوبيست الجمهوري ابراموف بالاعتراف بارتكابه جريمة التآمر والخداع في فلوريدا ، وفى ذلك الوقت قد اسرع  ساسة في الكونغرس بالنأي بأنفسهم عن إبراموف وفضيحته ، كما اعترف ابراموف في ميامى بتزوير حوالة مالية بمقدار 23 مليون دولار لاكتمال 147 مليون مقدار صفقة أندية سن كروز للمقامرات عام 2000 ، والتى كان قد اعترف شريكه في هذه القضية أدم كيدان بكونه مذنبا ، وبالرغم من أنها قضية منفصلة إلا أن قضية فلوريدا لها علاقة بأنشطة اللوبيست البارز ابراموف ، والذي أقر بارتكابه جرائم الخداع والتآمر والتهرب الضريبي قبل يوم واحد في واشنطن من اعترافه بارتكاب خروقات قانونية في قضية ميامي.

كما اعترف ابراموف بأنه قام بتقديم الرحلات والوجبات وغيرها لعضو من الكونغرس تم الكشف عن هويته وهو النائب بوب ناي (جمهوري عن ولاية أوهايو) وذلك في مقابل مجاملات وخدمات رسمية شملت تصريحا للنائب ناي في الكونغرس ينتقد المالك السابق لشركة سن كروز بهدف إجباره على بيعها بشروط معقولة لصالح ابراموف وشركائه. وذلك طبقا لتصريح صادر عن الكسندر اكوستا المدعي العام للمقاطعة الجنوبية لولاية فلوريدا ، وفي المقابل أنكر النائب ناي قيامه بأي فعل سيء وقال إنه لم يكن على دراية بأفعال وصفقات ابراموف غير المشروعة.

بوش يعيد لابراموف أمواله :-

وفي الوقت الذي كان يخضع فيه ابراموف للتحقيق الموسع في قضية الفساد ، تسابق المسئولين في رد الأموال والتبرعات التي حصلوا عليها من ابراموف وعملائه من قبائل الهنود الحمر ، حيث قام الرئيس بوش الذي كان قد تلقى تبرعات بمبلغ 100 ألف دولار لحملة إعادة انتخابه عام  2003 ، وأعضاء بارزون في الحزب الجمهوري كانوا من بين من بادروا برد أموال ابراموف المشبوهة أو قاموا بالتبرع بها إلى الجمعيات والمشروعات الخيرية.

والذين من بينهم النائب جي دي هايورث من ولاية أريزونا والذى كان قد تلقى من ابراموف ما يزيد عن ال 100 ألف دولار ، والنائب ريتشارد بومبو من ولاية كاليفورنيا وكان قد تلقى من ابراموف مبلغا يقدر 54 ألف دولار ، وكذلك السيناتور باتي موراي من واشنطن والذي تلقى من ابراموف ما يزيد عن ال 40 ألف دولار ، وغيرهم الكثير  ، حيث ان جاك ابراموف والقبائل الهندية التي يمثلها وشركاء آخرون مرتبطون بشركة سن كروز لأندية القمار العائمة قاموا بمنح مبلغ 4.4 مليون دولار لما يزيد عن 240 عضو من الكونغرس واللجان السياسية في الفترة مابين عامي 1999 و2005  وكان معظمها تبرعات للحملات الانتخابية.

وعلى تلك الحال كانت الولايات المتحدة ممتلة بالفضائح والفساد السياسي ، والتى ساهمت الى حد كبير في جعل الجمهور يفقد الثقة في الزعماء والحكام ، فلقد توالت الفضائح التى لم يتورع أو يتوانى فيها الساسة والزعماء عن الكسب والتربح المشبوة ، فقد كان كل من واتته الفرصة للاختلاس أقدم عليها كأسد جائع ، وكان أطهر من فيهم والذي لم تتطاله شبهة السرقة والرشوة والاختلاس ، قد نالت من سمعته فضائح جنسية وتعدد العلاقات النسائية ، فلم تكن السياسة عملا صائغا كما يظن الآخرون الذين يقفون على الجانب الاخر في المنآى البعيد عن خوضها أو الغوص بها.

Leave A Comment